القاهرة | يمكن القول إن وزارة الثقافة المصرية على صفيح ساخن منذ فترة طويلة. صحيح أنّ أمر الوزارة يشغل المثقفين أكثر من غيرهم، لكن لا يزال كثيرون يعتبرون هذه الوزارة واجهة مصر الأولى، وخصوصاً أنّها مسؤولة عن أحداث ثقافية هامة وبارزة، مثل «مهرجان القاهرة السينمائي»، و«معرض القاهرة للكتاب»، وهما حدثان سنويان تعمل القاهرة على التحدث عن نفسها ثقافياً من خلالهما. لكنّ الوزارة هذه الأيام تشهد الكثير من التغييرات التي تجعل من مكتب وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني الكائن في دار الأوبرا في القاهرة، مكاناً يغلي، إذ تتسبب التغييرات التي تقوم بها الكيلاني (مواليد 1964)، في قطاعات عدة داخل الوزارة، في إشعال الصراع بين الحرس القديم التابع أغلبه إلى الوزيرة السابقة إيناس عبد الدايم (من يناير 2014 حتى أغسطس 2022)، والحرس الجديد الذي جاء للعمل في الوزارة على يد الكيلاني، العميدة السابقة لـ «المعهد العالي للنقد الفني». هكذا، تنكبّ الوزيرة الحالية على إبعاد العاملين في وزارة الثقافة من مناصبهم لصالح آخرين تتعاقد معهم من الخارج وتدفع لهم ــــ وفق مصادر في الوزارة ـــ أكثر مما تدفع للعاملين فيها، كأغلب من يتعاملون مع الحكومة المصرية من الخارج. هذا ما فعلته حين أطاحت بالمسؤول الإعلامي السابق الذي قبع في منصبه لسنوات، وجاءت بمسؤول إعلامي من الخارج ليتولّى المنصب. مسؤول لا يعرفه كثير من المتعاملين مع الوزارة من الصحافيين أنفسهم! حتى إنّ بعضهم وجّه للوزارة تساؤلات حول عدم الاحتفال بثورة 23 يوليو ولو ببيان، وقالوا إن «وزارة نيفين» لا ترغب في تكرار ما كانت تفعله إيناس عبد الدايم حتى في أحداث لا خلاف على الاحتفال الحكومي بها.
مياو اكزوتشون ــــ «مصارعة» (أكريليك على كتّان ـــــ 100 × 100 سنتم ــــ 2015)

ورغم أن تغييرات وزيرة الثقافة في دار الأوبرا، جاءت بالموسيقار خالد داغر كرئيس لدار الأوبرا المصرية وقوبلت بترحاب شديد نظراً إلى أعمال داغر السابقة وتاريخه الفني، إلا أنه مع بدء اجتماعاته بالعاملين في الأوبرا، أثار الغضب، إذ يؤكد مقربون من هذه الاجتماعات أنّ توجهات داغر تنصبّ على تحويل حفلات دار الأوبرا الرصينة إلى ترفيهية يرى داغر أنها تحقق نجاحاً في السعودية!
حين عُيِّنت الكيلاني في منصبها (آب/ أغسطس 2022) استقبلها الوسط الثقافي بمزيد من التساؤل والتوجس، إذ كانت بعيدة منذ فترة عن مناصب وزارة الثقافة، وأُعفيت من مناصبها السابقة في الوزارة لصالح آخرين وُصفوا بأنهم أفضل أداء منها، مثلما أُعفيت من منصب رئيسة «صندوق التنمية الثقافية»، ومن عمادة «معهد النقد الفني» في عام 2015، قبل أن تعود له مرة أخرى في عام 2017، حتى أصبحت وزيرة للثقافة خلفاً لإيناس عبد الدايم. هذا التوجس والتساؤل يعودان إلى الواجهة كلما بان من وزارة الثقافة حدث يثير الجدل، فمتابعة سريعة لـ «مهرجان القاهرة السينمائي» وهو الحدث الأهم الذي تنظمه الوزارة سنوياً، وتجري دورته عادة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، «ستجد أن دورة المهرجان المقبلة لم تحدث أي حراك في الوسط الثقافي والسينمائي، فموقع المهرجان الإلكتروني يشهد بأن هناك حالة موت إخبارية له، فلا تشعر أن هذا هو موقع أهم مهرجان سينمائي في المنطقة تقريباً» هكذا وصف مصدر يعمل بالقرب من إدارة المهرجان ما يحدث حالياً، تزامناً مع شكوى كاتبة السيناريو المصرية شهيرة سلام عبر صفحتها الشخصية على موقع فايسبوك، مؤكدةً أنّ الجزء الخاص بتسجيل الأفلام الروائية الطويلة على موقع المهرجان «تحت التطوير غير مكتمل»، معلنةً أنّها «زهقت وتعصبت»، فما كان من متابعيها إلا بالإشارة إلى مدير المهرجان أمير رمسيس في التعليقات. ويقول المصدر إنّ وجود أمير رمسيس في هذه الدورة يطرح الكثير من علامات الاستفهام بعد مشكلات إدارية كبيرة أحيطت بالدورة الـ44. ظنّ كثيرون أنّ نيفين الكيلاني ستجري تغييرات في إدارة المهرجان، لكنها أبقت على حسين فهمي وأمير رمسيس، وقد أثارا جدلاً كبيراً وانقساماً مجدداً حين أعلن رئيس المهرجان حسين فهمي عن تكريم الفنان المصري أحمد عز في الدورة المقبلة من المهرجان، إذ ترافق ذلك مع آراء متباينة حول استحقاق عز لـ«جائزة فاتن حمامة للتميز» مقارنة بأدواره في السينما، وبمن حصلوا على الجائزة من قبل مثل منى زكي، ومنة شلبي، والراحل سمير غانم.
في جريدة «القاهرة» التي تصدرها الوزارة، أبعدت نيفين الكيلاني الكاتب زين العابدين خيري من رئاسة التحرير، وحلّ مكانه الكاتب طارق رضوان. ورغم عمله الصحافي الممتد لسنوات، إلا أنّ كثيرين اعترضوا على كونه بعيداً عن ملف الثقافة المصرية، في حين دأب الوزراء السابقون على تولي صحافيّين يعملون في ملفات الثقافة مسؤولية تحرير الجريدة منذ وفاة رئيس تحريرها الأشهر والأهم وهو الصحافي الراحل صلاح عيسى.
حوّل خالد داغر حفلات دار الأوبرا الرصينة إلى ترفيهية بدعوى أنّها تحقق نجاحاً في السعودية!


حال «معرض القاهرة للكتاب» ليس بعيداً عن بقية أروقة الوزارة، فقد أقالت الوزيرة ـ وفق ما يؤكد مصدر لـ «الأخبار» ـ هيثم الحاج علي من رئاسة «هيئة الكتاب» قبل انعقاد الدورة الأخيرة من المعرض في عام 2022، رغم طلبه منها بشكل شخصي أن تنتظر حتى انتهاء دورة المعرض حتى لا يؤثر الأمر في أحداثه وتنظيمه، لكن الوزيرة أقالت رئيس هيئة الكتاب ومن ثم كل من يعملون معه الذين يطالبون بمستحقاتهم منذ ثمانية أشهر.
عام واحد تقريباً قضته نيفين الكيلاني وزيرة للثقافة حتى الآن، لم تفعل فيه شيئاً أكثر من تغييرات في المناصب، في حين يلخّص مصدر لنا عهد الكيلاني قائلاً: «هذه السيدة لا تحب إثارة أي شيء، وإذا أُتيح لها أن تأتي إلى مكتبها في الوزارة كل يوم وتغادره من دون أن تلتقي بأحد، ستفعل هذا».