بخطى ثابتة، تغادر الدراما الفلسطينيَّة زمن المحليَّة وتتقدَّم لتحجز لها مكاناً على خارطة المشاهد العربي، متجاوزةً الحديث المتكرّر عن ضعف الإمكانات والعمل تحت الحصار في ظروف صعبة وغير مناسبة. وإذا كانت المنافسة التي طبعت السنوات الأخيرة بين فضائيتَي «الأقصى» و«القدس اليوم» شبه غائبة هذه السنة مع ترحيل الأولى للجزء الثاني من مسلسل «قبضة الأحرار» إلى العام المقبل واكتفائها بعرض «وعد الحرية» وهو دوكودراما من حلقات منفصلة وقصيرة تتناول حكايات الأسرى، فإنَّ فريق الثانية لا يتوقف عن منافسة نفسه مع الخبرات الكبيرة التي اكتسبها أفراده والانسجام الحاصل بينهم بعد عملهم معاً للعام الثالث على التوالي في: «ميلاد الفجر» (2021)، و«شارة نصر جلبوع» (2022)، و«ميلاد الفجر2» (2023).
من مسلسل «حارة القزّازين» (كتابة وإخراج أشرف سيد أحمد الحسيني)

العمل الأخير كان قد تأجَّل إنتاجه العام الفائت إفساحاً في المجال أمام «شارة نصر جلبوع» الذي صُنِعَ على عجل ليواكب قصة من أعظم بطولات العصر الحديث، وهو سيخرج إلى النور هذه السنة وسط توقعات من صنّاعه وكل من واكب عملية إنتاجه بأن يترك أثراً كبيراً لدى المشاهدين في فلسطين وخارجها، وهو سيكون محط اهتمام في لبنان على وجه الخصوص مع احتوائه خطاً درامياً أساسياً يتناول حقبة تحرير الجنوب والبقاع الغربي يتضمَّن تجسيد شخصيَّتين تحظيان برمزيَّة عالية لدى جمهور المقاومة في لبنان هما الشهيدَان عماد مغنية ومصطفى بدر الدين. غزة التي تستأثر عادةً بالإنتاجات الدراميَّة المنافسة بحكم الظرف الإنتاجي وهامش الحرية المتاح وإيمان فصائل المقاومة بأهمية هذا السلاح في المعركة مع العدو، لن تكون وحدها في هذه السنة التي ستشهد حضوراً للضفة الغربيَّة بعملين منافسَين دفعةً واحدة وإن كان أحدهما قد يتأخر قليلاً عن الموسم الرمضاني.
ولأنَّ الفلسطيني لا ينسى نصيبه من الفرح وحصَّته من الترفيه رغم كل شيء، فإنَّ البرمجة الرمضانيَّة الفلسطينيَّة ستضمّ إلى جانب الأعمال الدراميَّة الجادَّة، برامج ترفيهيَّة تراوح بين الألعاب الرياضيَّة والمقالب و«المزحات الثقيلة».

«ميلاد الفجر 2»: نقلة نوعية
«نقلة نوعية» هكذا يصف برنجي المدهون أحد أفراد فريق عمل مسلسل «ميلاد الفجر 2» (كتابة زكريا أبو غالي ومحمود منصور ــ إخراج حسام أبو دان ــ إنتاج قناة «القدس اليوم» و«ميدل تاون») مستوى العمل المنتظر عرضه في رمضان. تطوّر في تقنيات الكتابة الدراميَّة لدى أبو غالي الذي كان في «ميلاد الفجر 1» يخوض تجربته الأولى متسلّحاً بالكثير من الشجاعة التي باتت اليوم مدعومة بالكثير من الخبرة، يقابله تطوّر في أداء المخرج أبو دان انعكس بطبيعة الحال على أداء الممثلين الذين أحسن الأخير اختيارهم وإدارتهم وإخراج أفضل ما لديهم.

باسل شاهين مجسّداً مصطفى بدر الدين في «ميلاد الفجر 2»

وبعد تأجيلٍ قسريّ فرضته عملية التحرّر البطوليَّة من سجن جلبوع وضرورة الإسراع في محاكاتها دراميّاً لتزخيم الحراك الداعم لنضالات الأسرى من خلال مسلسل «شارة نصر جلبوع» (2022)، يعود الجزء الثاني من «ميلاد الفجر» الذي يحكي سيرة فلسطين من خلال مسيرة «حركة الجهاد الإسلامي» تحت عنوان فرعي هو «انتفاضة» متناولاً أحداث عام 2000 وما سبقه وتلاه من حقبة حافلة بالتشويق: من انتفاضة الأقصى واجتياحات جنين ورفح إلى تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي وصولاً إلى تحرير قطاع غزة عام 2005.
وإذا كان برنجي لا يخفي حسرته على غيابه عن العمل كممثل بحكم استشهاد شخصية «أسامة» التي لعبها في الجزء الأول، فإن ما يعزّيه هو النجاح المتوقّع للعمل الذي شارك فيه بصفة ماكيير هذه المرة. كلام المدهون يؤيده محمد فيصل الذي يطل في العمل بشخصيَّة ضابط المخابرات الإسرائيلي المسؤول عن غزة والضفة الغربيَّة. أكّد فيصل في حديثه معنا أنَّ تصوير المسلسل «الأضخم» استغرق ستة أشهر كاملة بين منتصف تموز (يوليو) 2022 ومنتصف كانون الثاني (يناير) 2023.
شخصيَّة «جهاد» التي يجسّدها غسان سالم «لم تُكتَب لها الشهادة» في الجزء الأول كما هو حال «أسامة»، لكنّ الضرورة الدراميَّة حتَّمت انحسار مساحة دورها وانتقال البطولة الرئيسيَّة إلى شخصيَّة «مالك» (وليد أبو جياب). يعيد سالم ذلك في حديثه معنا إلى أن الجزء الثاني يتميّز ـــ خلافاً للجزء الأوَّل ــــ بشموله جميع البقع الجغرافية التي نشطت فيها المقاومة علناً أو سرّاً من غزة إلى الضفة الغربيَّة فجنوب لبنان.
وبحسب أبو جياب أيضاً، فإنَّ العمل هو الأضخم في تاريخ الدراما الفلسطينيَّة، يضيء على اشتراك كلّ شرائح المجتمع في التصدّي للاحتلال من خلال إبراز دور المرأة في هذه المواجهة وكذلك دور مسيحيّي فلسطين. كما يعيد، ضمن قالب دراميّ، تقديم فكرة أنَّ الصراع هو مع الصهاينة كمحتلين ومعتدين لا اليهود كجماعة دينيَّة، وفيه العديد من القصص الاجتماعية التي تحدث داخل البيت الفلسطيني ويظهر من خلالها مدى تماسك الجبهة الفلسطينية وانتماء الإنسان الفلسطيني إلى هذه الأرض.
«ميلاد الفجر 2» يوثّق التكامل بين المقاومتَين اللبنانيَّة والفلسطينيَّة ويمرّ على تحرير الجنوب والبقاع الغربي


حضور المقاومة في جنوب لبنان في «ميلاد الفجر 2» لن يكون رمزياً، بل من خلال خط درامي أساسي يوثّق التكامل بين المقاومتَين اللبنانيَّة والفلسطينيَّة من خلال التنسيق المستمرّ بين «مالك» والشهيدَين القائدَين عماد مغنية (علي لبّد) ومصطفى بدر الدين (باسل شاهين).
وبحسب تصريح لبّد لـ«الأخبار»، فإن أداءه دور «الحاج رضوان» أتاح له الاطّلاع أكثر على هذه الشخصيَّة الفذّة التي وجد في صاحبها رجل تخطيط وإعداد محكماً وقائداً ذا نظرة ثاقبة وأفق واسع أشرف على تدريب الآلاف وصنع النصر في كل خطوة من خطواته قبل ارتقائه شهيداً. أما شاهين، فقد عبّر في حديثه معنا عن فخره بتأدية شخصيَّة «ذو الفقار» التي كان صاحبها سيفاً حقيقياً مُصْلتاً على الاحتلال وكان له فضل كبير في رسم طريق التحرير وفي دعم حركات المقاومة في فلسطين ومن الواجب إيفاؤه بعض حقه.
بدوره، صرّح لنا الكاتب زكريا أبو غالي أنَّ المسلسل الذي يتناول الحقبة بين عامي 1995 و2005 يركّز بشكل خاصّ على أحداث الانتفاضة الثانية، متعرّضاً للصمود الفلسطيني في وجه البلطجة الصهيونيَّة وتمسّك الفلسطيني بأرضه وحقه، وللصراع الملحمي على مختلف الأصعدة والمستويات بين المقاومتَين الفلسطينيَّة والعربيَّة وبين العدوّ بأجهزته وأذرعه المختلفة، من خلال قصص إنسانيَّة مؤثرة. وبات مؤكداً أنَّ العمل سيُعرَض في شهر رمضان على قناة «المنار» اللبنانيَّة و«فلسطين اليوم» و«القدس اليوم»، بالإضافة إلى عدد كبير من الفضائيات العربيَّة.

دوكودراما «وعد الحرية»
قناة «الأقصى» تغيب هذه السنة عن المنافسة بمسلسل درامي ثلاثيني كما جرت العادة، إذ تأجّل طرح الجزء الثاني من «قبضة الأحرار» بسبب معوقات إنتاجيَّة رغم جهوزيَّة السيناريو والممثلين والطاقم الفني، بحسب ما صرَّح لنا المخرج سعدي العطار رئيس قسم الفنون والدراما في القناة، على أن يباشر بتصويره قريباً ليكون جاهزاً للعرض في الموسم المقبل. وقد استعاضت القناة عنه بثلاثين حلقة «دوكودراما» تحمل عنوان «وعد الحرية» (كتابة مجموعة من الكتّاب وإخراج محمد السيد وإبراهيم لبّد) تتناول كل حلقة منها حكاية أسير فلسطيني متطرّقة إلى سبب الأسر والعمليَّة التي قام بها ويتمّ تجسيدها دراميّاً. لا تتجاوز مدَّة الحلقة الواحدة العشرين دقيقة، ويشارك في بطولة العمل غسان سالم، وسالم الأبيض، وساهر العمواسي، وعماد العطار، ومحمد سعدي العطار، ومحمود سكر، وأدهم ضبان وآخرون.

وللضفة الغربيَّة حصَّتها

من مسلسل «أمّ الياسمين» (كتابة وإخراج بشار النجار)

لا يقتصر الإنتاج الدرامي الفلسطيني هذا العام على قطاع غزة، إذ يُنتظر عرض مسلسل «حارة القزّازين» على قناة «فلسطين» (كتابة وإخراج أشرف سيد أحمد الحسيني ـــ بطولة جواد حرودة، وعبد المغني الجعبري، وعبد الكريم أبو صبيح، ومحمود أبو زهرة، وجودي الأحمد، ورامي البيطار، وإنتاج «رام» مع «ليزر كليب»). المسلسل اجتماعي وطني من ثلاثين حلقة صُوِّر في الخليل، تجري أحداثه في حارة تحمل الاسم نفسه في البلدة القديمة، ويشتهر أهلها بصناعة الزجاج، وتدور حول معاناة ذوي الأسرى والشهداء المحتجزة جثامينهم لدى العدو ومدى تعاون أهالي الحارة في ما بينهم ومؤازرتهم لعائلات الشهداء والأسرى.
«وعد الحرية» يتناول في كل حلقة حكاية أسير فلسطيني والعمليَّة التي قام بها


كما يجري حاليّاً تصوير عمل آخر في قصر سحويل في بلدة عبوين شمال رام الله يحمل عنوان «أم الياسمين» (كتابة وإخراج بشار النجار) تدور أحداثه بين عامي 1929 و1935 متناولةً نضال النابلسيين في وجه الانتداب البريطاني على هامش حكاية اجتماعيَّة قوامها خلاف على الميراث، على أن يُعرض بعد نهاية شهر الصوم على الأغلب.

كاميرا خفيَّة ومقالب وألعاب
إلى جانب الدراما الاجتماعيَّة الجادّة، لا ينسى الفلسطينيون نصيبهم من الترفيه، الذي يجسّده هذا العام برنامج المقالب «مزحة ثقيلة» (إنتاج «بروفيشنال ميديا»)، الذي يشبه إلى حدٍّ ما ما يقدّمه المصري رامز جلال سنوياً ضمن الإمكانات المتاحة طبعاً، وقد وقع ضحيَّة مقالبه عدد من نجوم الفن في قطاع غزّة منهم جواد حرودة، وزهير البلبيسي، وعلي نسمان، ومحمد فيصل، بالإضافة إلى برنامج «قوّي قلبك» الذي تقوم فكرته على ألعاب رياضيَّة يؤدّيها فريقان من المشاركين في الفضاء الطلق وتتطلب جهداً بدنيّاً عالياً، من تسلّق وهبوط بالحبال واجتياز جسر معلق، على أن تعرضه قناة «الأقصى» في رمضان المقبل في مواعيد تُحدَّد لاحقاً.