ذيول رأس السنة!
محمد مظلوم *
يُفترض برسالة السنة الجديدة، أن تتوجه، مضمونياً، إلى القراء والعالم بالتهنئة، وتكون حالمة ومتفائلة، وأن تتسم، شكلياً، بالإيجاز وبكلمات جديدة، «لأن كلمات العام الماضي تنتمي إلى لغة العام الماضي وكلمات العام التالي تنتظر صوتاً آخر» كما كتب اليوت في رباعية «ليتل غيدنغ»، فمع حلول كل عام جديد، ماض يمضي وجديد يستجد!
لكن أي قديم يُعاد وأي قديم يُعاف؟
ولأنَّها رسالة شخصية «إلى» السنة الجديدة نفسها، فستبدو مشحونة بالغضب وتنطوي على إشارات استفزاز وصدمة، وآمل أن لا تفسد أمزجة المحتفلين بهذه الليلة، فثمة جردة حسابات عالقة مع سنوات سابقة بحاجة لتصفيتها مع وريثتها: «هذه السنة الجديدة» قبل أن نؤمِّنها على أحلامنا ونعلّق عليها آمالنا، فتلك سنوات «عجاف وأطول من سِنيِّ يوسف» كانت مليئةً بالتحديات لكثير من شعوب المنطقة والعالم، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي.

كولاج للفنان الفرنسي ماتيو سونييه المعروف بـ «خان نوفا»

وفي عالم من الحروب والأوبئة والفقر، والميتات المجانية، وفي عصر غروب الإنسان، وانحسار الأحلام، فإنَّ عاماً جديداً لن يكون مُنفصلاً عما سبقه من أعوام، بل هو موصول بها بحبل سري، فالثلاثة وعشرون عاماً الماضية من عمر الألفية الثالثة كانت حقبة الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية والاضطراب النفسي والشقاق الأهلي في شرقنا (ولا سيما العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن). فمع مطلع الألفية، عادت شمس الكولونيالية إلى الشرق من بين أنقاض الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، بغزو العراق 2003 وقبله أفغانستان 2001، ثم عمدَتْ لإرسالِ أشعتها الشقيَّة لتهيج «الربيع العربي» 2010-2011 . فهل نأمل من سنة 2023 أن تتمرد على شقيقاتها وأمهاتها من السنوات السابقات وتأتينا بوفرة من أمنيات؟ أم ما هي سوى ابنة أخرى لعصر السلالة الإمبريالية الذي لم ينته بعد؟ وإن ظهرت عليها ملامح الشيخوخة، مُلخِّصةً ملامح صورة أميركا المستقبلية بصورة جو بايدن الحالية.
ولأنها سنة موصولة بنسيج وثيق من عقود وأحداث، أستحضر هنا قصيدة أودن الملحمية «رسالة السنة الجديدة» التي نشرها بعد عام من هجرته إلى الولايات المتحدة ومع بداية الحرب العالمية الثانية، فهي لا تزال صالحة لعصرنا، رغم أنها مؤرخة في 1 كانون الثاني (يناير) (1940) ومهداة إلى إليزابيث ماير وهي مترجمة وموسيقية ألمانية انتقلت إلى الولايات المتحدة هرباً من الاضطهاد النازي. وكان ينبغي لمثل هذه القصيدة أن تكون احتفالية وتحية شعرية يستقبل بها ذكرى أول عام جديد له في أميركا، وهو الذي تنقَّلَ بجغرافيا مضطربة من الحروب عبر ألمانيا في صعود النازية، وإسبانيا خلال الحرب الأهلية، والصين في أتون الحرب الصينية اليابانية، فقرر أن يفرّ إلى أميركا مع نذر الحرب العالمية الثانية، لكنه سرعان ما اهتز كيانه إزاء أخبار كارثية من وطن بعيد، فكتب قصيدته عن «السنة الجديدة» تحت وطأة التوتر وعدم اليقين:
«فجرَ اليومِ الذي اندلَعَتْ فيه الحربُ على أرضِ بولندا،
أضاءتْ فوقَ أميركا وفوقَ كُوخٍ بلونغ آيلاند»
لقد رأى أودن أن الحرب العالمية الثانية اندلعت ليس لأن القادة أنشبوها، بل لأنَّ الكراهية كانت تستعرُ بالفعل بقلوب البشر في أوروبا منذ هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، والعمل على إذلالها بالحصار وفرض المعاهدات الجائرة، فكتب «رسالته للسنة الجديدة» مشدِّدَاً على أهمية التغيير الثوري انطلاقاً مما وصفه «تغيُّر القلب» وتحول المجتمع من سيكولوجية الخوف المنغلقة إلى سيكولوجية الحب المفتوحة.
ألا تبدو لحظة مشرقنا الراهنة، شبيهةً بلحظة الغرب تلك؟ فهل من تفاؤل بعام جديد يمكن أن يُلتمَس في عالم يحكمه التهديد لا التسامح؟ وفي ظل حياة مليئة بالذعر والنزاع وليس التعايش والمحبة؟.
وسط هذه الأجواء المضطربة يجتمع العالم كله للاحتفال في يوم واحد، وكلٌّ يتباهى أن الجميع يحتفل معه في هذه اللحظة، وأنه شريك بحصة كاملة في هذا العالم، لكن التوقيت ليس موحَّداً على أرضنا الكروية! وإذ ينبغي أن ينفضَّ المحتفلون بليلة رأس السنة ليستجمعوا شتات أنفسهم بما يجعل العيش في الواقع والمجتمع الحديث أمراً ممكناً، فإنهم ينصرفون من تلك الليلة ليتفرّغوا في بقية أيامهم لحروبهم وخصوماتهم، وتنكيلهم ببعضهم البعض، فكأنها ليلة استراحة للمحارب أو كلام ليل يمحوه نهار واقعٍ قاسٍ.
في هذه الليلة الباردة، ثمة من يلوذ بالنبيذ والفودكا، ليحصل على الدفء والنسيان تحت وطأة أزمة وقود التدفئة!
في هذه الليلة ثمة من يذهب إلى الحانات والمطاعم ليحظى بدفء الآخرين في حفلة مع أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، أو ليتعرف على أشخاص جدد، وثمة من يكتفي بالاحتفال مع أسرته، وثمة الوحيد الذي يأنس لخلوته. لكن هذا هو حالُ الناس على مدار العام، وليس حصراً بليلة رأس السنة. شخصياً وعبر مراحل حياتي، جرَّبتُ كل هذه الخيارات وأيقنت أن السنوات هي شهرزاد الحكاية، وأن ألف ليلة وليلة لا تُختزل بليلة. الله نفسه لم يخلق العالم في يوم واحد. وحين يتحاضن المحتفلون مع تطابق عقارب الساعة، فإنَّ هذا التماهي الافتراضي مع الزمن، لن يكفي وحده لخلق حياة جديدة، على طريقة «تخلَّصْ من القديم وعليك بالجديد». فالسنة الماضية ليست زمناً للنسيان، لترمى خلف ظهورنا بوصفها عبئاً بل طرحها لمراجعتها، فلرأس السنة ذيول أيضاً، وهي ليست يوماً حاسماً في التاريخ، لا الشخصي ولا البشري. ومع هذا ثمة من يتخذ في هذه الليلة قراراً شخصياً صغيراً كالإقلاع عن التدخين أو التوقُّف عن الشرب أو يحسم أمراً بشأن الحب أو الزواج والانفصال. ويختار توقيتاً عالمياً لإعلان قرار شخصي، كأنه يريد أن يشهد العالم على قراره. والواقع أن كثيراً من القرارات الشخصية مرتبطة بمعطيات المحيط، فأي قرار مهما بدا مغرقاً في الشخصية مرتبط بأحداث واشتراطات في عالمنا اليومي. وليس في كَونٍ لا مرئيّ.
أيقنتُ أن السنوات هي شهرزاد الحكاية، وأن «ألف ليلة وليلة» لا تختزل بليلة (محمد مظلوم)


من الواضح أن إنسان الألفية الثالثة، بدا أقل إرادة وأكثر يأساً، في إصلاح حياته، حتى سَلَّمَ بأن حلول الأرض انتهت بالنسبة إليه، فراح يتطلع لحلول السماء.
لكن أي سماء؟ أهي سماء المنجمين؟ ومنازل الأبراج، وتهافت العرافين؟
لقد صنف «التنجيم» ضمن العلوم الزائفة (وبعبارة أخرى دجلاً) حتى قبل عصر التنوير في القرن الثامن عشر، إلا أن حديث الأبراج والتكهّن بالمستقبل، أصبح، في مشرقنا، الوجبة الأشهى والشراب الروحي المسكر لكثيرين على مائدة ليلة رأس السنة. «عرَّافو المستقبل» ليسوا وسطاء روحيين مع الغيب، ولا هم رُسلٌ بوحي، بل ينطقون عن هوى، وهوى أغلبهم لدى قادة دول، وزعماء مافيات، أو هم ناشرو إشاعات لأجهزة مخابرات. في عصرنا، ما من كاهنات ومنجمات حفيدات دلفي أو وصيفات لملكة الغجر. ومع هذا صارت التسلية بقراءة ورق الكوتشينا، أو بطاقات التاروت، لعبة محكمة تتلاعب بالمصير، وصار الدجالون يزعمون التحليق مع الأفلاك والأبراج، ومعرفة مسالك السماء.
ولأنَّ المسافة معقدة وملتبسة في الروحانيات بين الخرافة والحلم، بين حدود التقاويم واشتراطات الوقائع، فإن السؤال يتلخص في كيفية التخلص من الخرافات والتمسك بالأحلام بسنة «جديدة» حقاً.
لتكن الصعَّادات أضواء تنوير تضيء السماء ترحيباً بوعي جديد، وأصوات تنبيه لإيقاظ الروح من غفلتها المديدة، لا فرقعة وقرقعة ومجرد تسلية عابثة لليلة عابرة.
ليكن الخروج من حفلة الحياة التنكرية في رأس السنة، خروجاً إلى الحياة كما هي، والإيمان بأن حياتنا جديرة بالتغيير، وإنَّ الإرادة هي ما يحتاجه إنسان الشرق، شرقنا العربي، حيث الوحي الخلّاق لروح حرة، الإرادة التي بنت الحضارة بالخيال والجمال الذي أوحى بهما الشعر والفن، شعر الشاعر الحق الذي يخلق نبوءته بخطاب بليغ يمزج بين حدس الروح والمعرفة العقلية، وعفة الضمير، وصدق التجارب وعمق التحليل.
ما نحتاجه في السنة الجديدة إعادة شحن الحياة بالأمل والعمل وجمال الفن والخيال الخلاق، لا الانخراط مع حشد الضحايا المُتَّكلين على أضغاث أحلام. فالحياة بقدر ما هي هبة، هي خلقٌ وإرادة. كتب جوزيف برودسكي، حين أصبحت احتفالات رأس السنة الجديدة في الاتحاد السوفياتي بديلاً لعيد الميلاد:
«واضحٌ أنَّكَ تقدَّمْتَ في السنِّ الآن
إنْ تَتَّكلْ على «بابا نويل» الطيب؛
فقد وَلَّى زمنُ المُعجزات.
- لكنْ ارفعْ عينيكَ فجأةً
نحوَ نُورِ السَّماءِ، تُدركْ:
أَنَّ حياتكَ هِبةٌ خالِصَة»
* شاعر ومترجم عراقي

■ ■ ■

في تصوّر الأمل
محمد خير*
في إحدى حلقات المسلسل الكرتوني الأميركي الشهير «آل سيمبسون»، يقوم عنصران من المباحث الفيدرالية الأميركية بمراقبة «هومر سمبسون»، ثم يكتبان في تقريرهما: «عادةً يكتب الناس خطابات إلى نجوم الأفلام. أما هذا الرجل، فيكتب الخطابات إلى الأفلام نفسها»!
هل يمكن أن يكتب المرء خطاباً إلى شيء يجمع بين التجريد، والكينونة، في ذات الوقت، كفيلم سينمائي، أو كعام ميلادي؟
وإذا كان الإنسان قد عاش أعوامه السابقة فعرفها وخبرها، فبأي معرفة يمكن أن يخاطب عاماً مقبلاً؟
يمكن أن يقول المرء، بلا خطأ كبير، إنّ العقد الماضي، الذي بدأ بالربيع العربي، وبغض النظر عن مآلاته، قد «ميّزه» اختطاف الوقت، كأن الزمن يسرق نفسه، ويسرق – بالضرورة – أعمارنا معه. هي سنوات بدت كأنها سلسلة من فعل الإضاءة/ الإظلام. كما فوق خشبة مسرح أو تصوير سينمائي، ومع كل إضاءة يكتشف الممثل ازدياد التجاعيد في بشرته، اتساع الشيب في رأسه، عطلاً إضافياً لأعضاء جسده، أو/و فقد أحد أحبائه.
ثم تأتي الكورونا، ويأتي في أولها الطلب الذي بدا بسيطاً، بأداء له صوت فحيح السحرة في الحكايات: «ابقوا في المنزل أسبوعين فقط». والأسبوعان امتدا إلى سنتين وأكثر، وأخذ الوباء معه ملايين الأنفس، وأطاح بوظائف واقتصاديات ومستويات معيشة.
ثم بدا أخيراً أنّ 2022 هو عام الانسلاخ من كل ذلك، عام توقّف الوباء عن أن يكون ذاته. ومع خروج العالم منه، ومع بدء الحرب الأوكرانية، بدا أن الربيع العربي قد أصبح ماضياً، وأن مشكلات دول الربيع لم تعد النتاج المباشر لربيعها، بل هي نتاج ما أنتجه في الداخل، وعالم الوباء ثم الحرب في الخارج، لقد كبر من كان ربيع العرب مشهداً من طفولتهم، وصار بالنسبة إليهم ذكريات مشوّشة، بل كبر من أصبحوا نجومهم، فأين كان «ويغز» يوم «جمعة الغضب»؟ كان تلميذاً صغيراً في أحد أحياء الإسكندرية، ربما لم يكن يعرف حتى ما الذي يجري. وها هو يغني في ختام «مونديال» كان يبدو بعيداً جداً في الزمن حين خرج شبان الربيع يحلمون، وها هو قد حان وانتهى، ورفع ميسي الكأس في حدث ربما يكون محل أول سعادة كونية منذ أمد غير معلوم.
نأمل، على طريقة إثارة مباريات كأس العالم المنقضي، أن يفاجئنا العالم هذه المرة ويجنبنا الأحزان ولو بحكم الصدفة (محمد خير)


ويقترب العام الجديد، أنت يا 2023، الذي نأمل – ولو بمنطق المجاز – أن نخاطبك وأن تسمعنا، ونحن نسمع ونقرأ خبراء الاقتصاد يحذّروننا مسبقاً من الأمل، ويعلنون أن العام الجديد – أنت – سوف يكون أشد صعوبة من العام المنصرم، الذي كان عام التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار العملة وانخفاض القوة الشرائية. انتهى زمن الاحتفال الساذج وفتح علب الهدايا تحت شجرة العام الجديد. الهدايا فارغة – يقولون – أو مليئة بالتراب. لكننا نأمل، على طريقة إثارة مباريات كأس العالم المنقضي، أن يفاجئنا العالم هذه المرة، ولو بحكم قوانين الاحتمالات التي تمضي في عشوائيّتها الأبدية من دون أن تعرف خيراً أو شراً، أن تتجنبنا الأحزان هذه المرة ولو بحكم الصدفة، فقد تجرعنا منها نصيبنا وأكثر، وأن نعثر، حتى وقد صرنا عاجزين عن تصور الأمل، على أمل لم نستطع أن نتصوّره.
* روائي وشاعر وقاصّ مصري

■ ■ ■

وما زال في العمر بقية
زهرة الظاهري *
نودع ديسمبر ليقفل أبواباً كثيرة خلفه، ويتنحّى جانباً ليترك مكانه لسنة جديدة ستحلّ علينا بكل جديد وستُقام احتفالات كثيرة على نخبها.
سوف نُسأل عن أوجاعنا الماضية وعن أمانينا القادمة. وسنوكل أحلامنا التي أرهصت إلى الأيام الآتية تنظر فيها وتحاسب سنة كانت ثقيلة على أرواحنا. وسنتمنى كما تمنينا منذ عقود طويلة بأن يكون القادم أجمل بعد أن نزهق في الساعة المتأخرة من الليل روح عام أصبحنا نراه ضيفاً ثقيلاً، وقد كنا منذ أشهر خلت نمارس نفس طقوسنا الاحتفالية في احتفائنا به.
الغريب أن أيامنا متغيرة وسنوات عمرنا تمرّ على عجل من دون أن نفطن إلى أنّ لا شيء تغير فينا وأننا نعيش حالة ركود وثبات مستمرة لا عمل لنا سوى توديع سنة بالتطيّر منها، وصب كل لعناتنا عليها واستقبال أخرى بالبهجة والتهليل في انتظار اليوم الذي سنلعنها فيه لأنها كسابقاتها لم تكن إلا سنة مضت من أعمارنا ومرت لنظل على ما نحن عليه من التوجس والانتظار.
مع ذلك، لا يمكننا إلا أن نكون معلقين بالانتظار والتمنّي، ولا أحد يمتنع عن معايشة الفرح بقدومك أيها العام الجديد كما لو أننا نطوي صفحات كثيرة نتركها خلفنا، ونمضي قدماً خلف أمانينا المعلقة بك، بالقادم الأجمل، بالحياة المليئة بالحب والصفاء.
وبعيداً عن كل المنغّصات وبكثير من التفاؤل والتيمّن، نتمنى أن تحل علينا أيها العام الجديد كأجمل مناسبة للخيرات والمسرات والبهجة، ولتكن عاماً مليئاً بالأمنيات والأحلام المنجزة.
ولأننا لا نزال على قيد الوجود وما زال في العمر بقية، لا بد أن يكون على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
*روائية تونسية
■ ■ ■

مرحباً بأحلامنا المجهضة
سعد بن حسين *
لا يمكن إلا أن أرحب بقدومك. سأدرك الستين بحلولك، وسأصير شيخاً بشكل رسمي... شيخ بلا حكمة وبلا إنجازات كبيرة. مضطر للترحيب بك، رغم علمي أنك لن تكوني أفضل من سابقاتك... بل وشبه متأكد أن بلادي وأهلي سيعيشون فيك أصعب الظروف على كل المستويات... فأنت سنة ستكرس استمرار إقامتنا في ظلام النفق. مرحباً بك.
مرحباً بالحروب التي قد تندلع في مناطق مختلفة من العالم فيك! مرحباً بعودة الأمراض والأوبئة! مرحباً باستمرار معاناة الأشقاء في فلسطين وليبيا واليمن والسودان. مرحباً بالجوع والقحط والجفاف. مرحباً بالكوارث. مرحباً بتواصل انقطاع الودّ بين عديد الأقطار العربية.
مرحباً بأحلامنا المجهضة... ستبقى مجهضة. مرحباً بضياع التربية والتعليم. مرحباً بالجهل وعودة الخرافة والكتب الصفراء. مرحباً بتسطيح العقل العربي وانتشار ثقافة الإنستغرام والفايسبوك والتيك توك. مرحباً بتواصل تهميش المفكرين والمثقفين والفنانين... مرحباً... مرحباً. لن أرجو أن تمرّي بسرعة، فلا أضمن أن تكون السنة الموالية أفضل منك. لن أحلم. لن أخطط لإصدار جديد أو لسفر قد لا تسمح الظروف بتحقيقه خلالك. لن أبني قصوراً من ورق.
مرحباً مرحباً.
قد أختار العزلة فيك. سأركز على حماية أسرتي وأطفالي وأعدّهم لمجابهة الكوارث القادمة.
مرحباً مرحباً
* قاص وكاتب سيناريو تونسي ومدير سابق لـ «بيت الرواية»