دعيني أربت على كتفك أيتها الغريبة
سلمى عمار *
ليس من عادتي مُحادثة الزمن ولا مراسلة أيامي القادمة، كنت دائماً ذاتية الخطابات، أُسَامِرُ نفسي وقلبي، حواسي وأعضائي، وحتى حاجياتي الجامدة المحيطة، وكل ما له علاقة بما يؤثث يومي الممل الرّتيب، لم أكن أخرج عن تلك الحدود، ربما، لأن أحاديثي لا تعدو أن تكون سوى أضغاث تُرّهاتٍ في عُرف من يحكمون زمام الجدية والوقار.
اليوم، وأنا أتطلع إلى الآتي، صرت أدرك جيداً أن هذه السنة التي أخذت من صبري، ألمي، وحدتي، رفقتي وتطلعاتي الكثير، ماضيةٌ لا محالة كما مضت حياتي قبلها، وأن ما أنتظره من أيام مُقبلة بكل تلك البهرجة التي يتحدث عنها الجميع، لن يكون أبداً بتلك السهولة التي أرى فيها الآخرين، يصوّرون لنا عبوره الهادئ بكل ثقة وبكل سلاسة.

جولي بلاكمون ــ «تجريب الأزياء» (2014)

ماذا بوسعي انتظاره منك أيها العام المقبل بكل أحماله غير المعروفة؟ بكل ذلك الصخب الصامت الذي ينتظر مني هدهدة لكي يطربني بصرخاته؟
تُراني سأكتب لك قائمة طلبات وأمنياتٍ طويلة كتلك التي كنت أرسمها في خيالي عند نهاية كل سنة، قبل عشرين سنة؟!
لا أظن ذلك، لقد كنت أبصر منذ مدة ملامح الأعوام الجديدة التي تبدو مبهمة وغامضة، ذات ملامح مشوشة، خلال آخر أيام العام الذي يسبقها، وهذا ما يزرع فيّ المخاوف والتردد في فتح أفق الأماني والتطلعات.
نحن لا نعيش خلال هذه الليالي التي تلفظ آخر أنفاسها إلا على عبثِ آمالنا الكبيرة جداً، رغم أننا نعرف جيداً أنّ تطلعاتنا تلك، تفوق بكثير ما سنغنمه خلال العام الجديد، مع ذلك، نستمر في الحلم حتى ونحن تحت رحمة العذابات الآنية والاختبارات المفاجئة التي تضعنا فيها الحياة كلما هممنا بالعيش واغتنام الراحة.
رُحمَاكِ إذن، أيتها السنة الجديدة، دعيني أربت على كتفك أيتها الغريبة، لعلي أغنم منك بعضاً من الأمان الذي ضاع مني منذ أمد، لا تديري لي ظهرك كما فعل الجميع، فقط كوني رحيمة بهذه الروح التي لا تبلغ إلى الآن ورغم كل ما مضى إدراكَ دربٍ للقسوة.
لا تقلقي، لن تكون لي قائمة أمنيات ضخمة، ولا أشياء تعجيزية كما تلك التي كنتُ أثقل بها قريناتك في الماضي، فكلّما مرّ بي الزمن، أدركتُ أن راحة القلب وصفاء الروح من تراكمات الغضب والقلق وأشلاء المشاعر المحترقة، قد تصير أكبر النعم التي قد نحظى بها لنكمل سعينا الحثيث في هذه الحياة.
تعالي ها هنا يا أيامي القادمة، تريّثي قليلاً وأنت تدوسين بقدميك بلاط رفقتي معك، فقد تنزلقين تباعاً نحو حتفك من دون أن ندري ذلك، وقد نتوه عن بعضنا البعض خلال الوقت الذي تحاولين فيه أن تكوني عَطوفَةً بي، فتقسين من دون رحمة، ولو لم تقصدي ذلك.
امنحيني بركة الكتابة والبوح، فقد قضيت سنة كاملة أحاول فيها اقتفاء أثر أي نصّ أحبه من دون جدوى، أنت تعرفين جيداً أنّ الحياة عندي تكمن في الكتابة والعيش في أحضان الموسيقى، أعرف جيداً أن السنوات السابقة باحت لك بكل أسراري الغريبة، وأنك درست حالتي جيداً، عكسي أنا التي لا أعرف عنك سوى عمرك الحالي...
رُحماكِ، فلستُ أبلغ منذ مدة نشوة النص المبتغى، ولا لذة تأوهات الذروة وقتما أجد الكلمات التي تحكيني، أو تُرتل ما أراه وما ألقاه خلال أيامي ذات الصمت المهول، إن العيش يا عزيزتي دونما لذة أو نشوة ليس سوى موتٍ يبقينا تحت رحمة الاعتياد الرتيب.
أيتها السنة المقبلة، تفضلي عليَّ بجمالك، واحْجُبي عنّي قبحك قليلاً، فقد لا نلتقي أنا وأنتِ حيثما قد يطيب لنا اللقاء، وقد لا تشاطرينني الرأي في كيفية عيشك التي غالباً ما ستكون بين أربعة جدران بحثاً عن الراحة، لكنني أكيدة أيتها السنة الغريبة بأننا سنتشاطر بعضاً من الأوقات السعيدة التي سنسرقها من «إلهك»، من هذا الزمن المتجبر الذي لا يمنحنا الكثير لنكون ما نبتغيه.
كان الأمر أسهل لو وجّهتُ الرسالة لعام 2023 قبل الميلاد، فقد كنا حينها في ليبيا بصحة أفضل (سراج الدين الورفلي)


لقد تجردتُ منذ مدة من قُدسية الوقت ومن حساب قيمة الزمن، لكنني ما زلتُ أحاول من حين إلى آخر أن ألحق ركبه ببعض من الصحوات المتقطعة التي قد أصطاد فيها بعضاً من أحلامي المؤجلة.
أعلم جيداً أنني أطلت عليكِ الحديث يا مُبهمة الملامح، لكنّ لي طلباً صغيراً أتمنى أن تضعيه في حساباتك حينما تقررين اقتحام خلواتي وأوقاتي بخطاباتك الجدية خلال كل فصولك.
أرجو ألا تحرميني من هذه النفس التي لا تقوى على الكراهية ولا على الحقد مهما حاولت ذلك، ساعديني يا عزيزتي على التشبث بما أنا عليه من الداخل، ولا تحرميني نعمة الرحمة والمغفرة.
لا تضعيني تحت امتحان أخرج منه مشبعة من كل شيء وخالية مني، لأن ذلك هو موتي الكبير.
أنا أفقِدُنِي عندما أغدو مفرغة من الحياة ومن القدرة على الحب وعلى الغفران، أما عن بقية الأماني فلا تقلقي منها، كلّها بعد ما طلبته منك يكون سهل المنال، سيتطلب الأمر مني فقط بعضاً من الشجاعة، والكثير الكثير من الأمل الذي سأنزل له صنّارتي بكل الصبر الذي أعده مسبقاً، هكذا، سأجد الوقت للتأمل إبان رحلة الصيد هذه، ولعلني أكتسب خلالها قوة البصر والبصيرة لأرى ما ومن حولي بشكل أوضح، وألمح خيالي في مياه بحيرة الحياة، من دون أن ألقى مصير نارسيس، حيث لا تغرّني الصورة بقدر ما سأرى ما وجب عليّ أن أكونه في الحقيقة.
* كاتبة جزائرية

■ ■ ■

قادمة إليك من حزني وخيباتي وألمي
هدى حاجي *
1. أيّها العام الجديد، وأنت قادم إليّ من المستقبل، لا تحمل إليّ معجزات، ما أريده هو الآن وهنا عند زهرة الألوفيرا، لقد نسيت فقط أن أستيقظ وأن أفرك عيني.
2. أنا لا أنتظرك لتأخذ بيدي وتعبر بي جسرك إلى ضفّة حلم وأمنيات، لا أحد باستطاعته أن يفعل ذلك، لا أحد بإمكانه أن يجعلني أنفلت في مجرّة نجوم سوى انخطافي.
3. أيها العام الجديد، لم أجهز لك حزمة أمنيات ولا أشعلت لك شموعاً كي تمنح حياتي بركاتك، أنت لست كبسولة سحرية كي تعبر بي لحظات خوفي وحيرتي وظلمتي. أنا لن أطلب منك أن تمنحني طمأنينة الوجود والسعادة الفجّة. هبني مجازفاتك وامتَحِنّي بأخطارك، لا أريد أن أطفو على سطوحك الفجّة ولا أن أستقرّ في قاع التفاهة وأنا أغوص عميقاً لأقتلع جواهر معناي.
4. أيها العام الجديد، أنا قادمة إليك من حزني وخيباتي وألمي، من جرح الوجود، لا أحمّل الأعوام التي انفلتت من عمري جريرة أخطائي، فهي لم تُدِرْ لي ظهرها، أنا من كنت مغمضة العينين وانصرفت للسبات حين كانت شجرة التفاح تزهر وعصافيرها تغنّي.
5. كسر الذين رحلوا في السنوات الماضية قلوبنا و«ارتفعوا غيوماً» (وديع سعادة). موتهم سحق هشاشتنا وأحرق أرواحنا، فـ«الموت لا يوجع الأموات، الموت يوجع الأحياء» (محمود درويش). لن أرجو من السنة الجديدة عمراً مديداً، فأنا لا أهاب الموت. مَن يدري، لعلّني حين أموت أنتقل إلى حياة أخرى. «لا موت هناك، هناك فقط تبديل عوالم» (سياتل، الزعيم الهندي الأحمر).
6. أيّها العام الجديد، تعلّمت في عزلتي وأنا مزدحمة بنفسي أن أرتق بالشعر جروحي والهاويات التي حاولت أن تفترسني بأنياب اليأس، تركت خلفي تلك السنوات التي رصفتها كجدار حتى سقطت عليّ وطمرتني، انكسرت وتشظيت واغتربت لكن الشعر منحني «رئة جديدة للتنفس» (محمد عضيمة). بَلْسَمَنِي الشعر وأصلح أعطابي.
7. أيها العام الجديد، أنا شاعرة لكنني لست مفتونة باليوتوبيا ولا أرغب في قطف النجوم، رأيت الله حين شاهدت بتلات وردة منعكسة وردات في قطرة ندى. لن أحمل إليك ضراعات، يكفيني أن أنظر إلى الأرض الناهدة بالسنابل، تضيئني قمحة أكثر من نجمة في السماء، يضيئني رغيف خبز في يد فقير أكثر من قمر ساطع.
8. غير عابئة بالحرب/ تواصل زهور البرقوق/ تفتّحها
أيها العام الجديد أعتذر لك نيابة عن كل البشر، عن المفسدين في الأرض، أعتذر لك نيابة عن القتلة الذين جعلوا هذا الكوكب الذي كان يتنفس بعمق يختنق، أعتذر لك لأنك لن تجد الزهور عندما تأتي، لن تجد الربيع، لن تجد الفصول، لن تجد المطر، لقد قطعوا الأشجار وجرفوا العشب وأحرقوا الغابات، جعلوا تسونامي يبتلع الشواطئ، جعلوا دلتا النيل يغرق في البحر، جعلوا الطوفان يغرق الشوارع وركام القمامة يعلو كالجبال. الذي زرع هذا الخراب هو هذا الكائن المنفلت، المتورم بمركزيته، المتوحش، المستهتر بالتوازن البيئي، الملتاث بحروبه اليومية، الموبوء بأطماعه السياسية وإفلاسه الأخلاقي. ستلاقي هذا الأقنوم لكنك لن تجد فيه الإنسان.
9. أيّها العام الجديد، يا واهب الفصول الأربعة، اثنا عشر قمراً ستسطع، ثلاث مائة وخمس وستون شمساً ستشرق، خسوفات، كسوفات، محيطات وبحار سيسحبها مدّ وجزر، امنحني لحظاتك المهملة لأرجّها وأمسك اللحظات الطالعة منها، امنحني دمدمة عواصفك لأصرخ والتماعات نداك لأهدأ، امنحني رياحك وبروقك، حفيف أشجارك، خضرة حبقك لأرهف حواسي، امنحني أصواتك ليشف إنصاتي، امنحني حيواتك الصامتة والذاهلة والباهتة لأمنحك يقظتي، امنحني شتاءاتك السباتية الطويلة لأحتطب لك من غابة الشعر شذرات متّقدة بجذواتي، امنحني غوايتك وجمالك الغامض لأسبر أغواري ومعناي... امنحني مياهك السرية لأمنحك موسيقى ينابيعي. ليتني زهرة لوتس، ليت حياتي بحيرة صافية.
* شاعرة تونسية
■ ■ ■

نيزك كلّه شوق للاصطدام بالأرض
سراج الدين الورفلي *
عزيزتي 2023،
ها أنا لا أنتظر قدومك، وهذا بحد ذاته ليس إنجازاً بالنسبة إليّ، كما أنه بعيد كل البعد عن كونه أمراً سيئاً أو جيداً. إنه كأخذ تدريبات مكثفة على السباحة في حين أنك تكون قد غرقت فعلاً منذ زمن وانتهى الأمر، لا تأخذي الأمر بشكل شخصي.
حين كنت طفلاً، ظننت أنك حين تأتين، سأكون في كوخ من اليورانيوم الشفاف فوق جبل من جبال أورانوس المطل على إحدى المجرّات الأرجوانية المتلألئة وأربي كائناً فضائياً بخمسة أو ثلاثة عيون (أو أن يحدث العكس) ولكن ها أنا هنا على الأرض، أمارس نصف عادات أجدادي والنصف الآخر عادات مسروقة من الرجل الأبيض، وكلها أمارسها بشكل ركيك ومصطنع، في بقعة حزينة وبائسة خارج قياسات الزمن. على أيّ حال، بمجرد قدومك، سنتحدث عن أمور لا مفر منها وأصبحت عادة سيئة لكل سنة: ظهور المهدي المنتظر، ظهور العلامات الكبرى للقيامة، ونيزك يقترب كلّه شوق للاصطدام بكوكب الأرض، وفي كل مولد نبويّ، ستظهر الإشكالية الفلسفية الكبرى: هل الاحتفال به حرام أم حلال، بالإضافة إلى رئيس وزراء ليبي يتحدث عن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وكلها أشياء نتمناها أن تحدث لنتذكرك بها، لكن للأسف لن نتحدث، وهذا ليس يأساً أو أملاً بل كما أشرت. هو يشبه قراءة كتيب صغير عن تعلم السباحة وأنت تطفو غارقاً في حوض استحمام.
ليس هيناً أن أكتب لك رسالة ليس فيها شيء، لكن هذا ما يحدث بالفعل. حين نرغب في إطلاق الرصاص على الآخرين، يتعطّل مخزن المسدس فجأة، وحين لا نرغب في إطلاق الرصاص على أنفسنا تخرج الرصاصات مصدرة دوياً مدهشاً داخل جماجمنا المظلمة، كان الأمر أسهل لو وجهت الرسالة لعام 2023 قبل الميلاد، كنا حينها - في ليبيا مثلاً - بصحة جيدة أكثر، نقضي أوقات فراغنا نصنع الآلهة والرقصات الجيدة لهذا العالم المتغطرس. ننجز كل أعمالنا قبل مغيب الشمس ونتمدد على فراء أكثر الحيوانات شراسةً، نحكي الحكايات وحولنا مئات الأحفاد نتقاسم معهم الضحك واللحوم، والنار وسطنا تصلي بشغف لا مثيل له لتخرج لنا نوراً نقياً. ولكن الآن في هذا العالم الذي تحول إلى مكب نفايات بلاستيكية هائلة، ماذا بوسعنا فعله؟ ليس هناك من يعلمنا كيف نعيش، رغم أننا نعيش منذ آلاف السنوات، وقتلنا مع بعضنا ملايين الناس، واخترعنا ما لا يحصى من المشانق وأدوات التعذيب، وارتكبنا المجازر الهائلة، ودونّا الحروب والإبادات على الصخور وجلود الماعز، وخلق الله لنا الغربان لتعلّمنا الدفن خوفاً من أن نطمر البحار والأراضي والغابات تحت الجثث المتعفنة. وها نحن لشدة حماسنا المفرط، ما زلنا نشكو قصر الوقت! لا أعرف وقتاً صار فيه الإنسان اجتماعياً ومعزولاً إلى هذا الحد المفجع، فمنذ أن وضعوا التوقيت في الموبايلات ونحن نرتدي ساعات معطّلة. ومنذ أن وضعوا التقويم في الأجهزة الذكية ونحن نتخلّف عن مواعيدنا. لقد صرنا أكثر حذراً وأقل حظاً. كان جدّي يتعوذ كل صباح من الأشرار واللصوص ورفقة سيئي الحظ.
ومع ذلك، عليَّ أن أسأل الرجل الذي يجلس في الطاولة المجاورة كم الوقت عنده. لن ينظر أيضاً إلى موبايله. سيقول:
— أعتقد أنها السابعة!؟
وسأقول كما كان يقول أسلافي القدامى:
— أوه الوقت يمضي بسرعة هذه الأيام، لم يعد فيها بركة كما سبق، وسيوافقني الرأي سريعاً مضيفاً جملةً هزيلة أخرى.
كل هذا لا يهم، صدقيني، لا الوقت مهم، ولا جدي مهم، ولا هذا الغريب مهم، المهم أبداً ودائماً هذا الحوار الإنساني المبتذل، هذا ما نحتاج إليه في كل زمان ومكان، في الكهوف، وقاطرات البواخر، في قبو القصور مع الخدم، في ممرات المستشفيات، داخل السجون الباردة، في مقصورة كبار الزوار، داخل الملاجئ أثناء الحروب، في صالات الانتظار بالمطارات، في الحانات والمقاهي الشعبية، في طوابير المخابز والمؤسسات الحكومية.
سينقرض الإنسان يوماً ما لا محال، وهذا نفسه غير مهم، لكن العالم سيبقى عاجزاً إلى الأبد عن فهم وإجراء مثل هذه الحوارات. الأمر ليس له علاقة بكوننا كائنات فردية أو جماعية. نحن - وهذا ما عاد فيه مجال للشك - كائنات يتيمة سيئة الحظ نبحث دائماً عن الآخر إما لنزيّن به قصتنا أو لنحذفه منها.
في عهدك، لن تزدهر سوى تجارة المخدرات، والأسلحة، والبشر، والعملات الرقمية، ويسوء المناخ بسبب التلوث، وسنموت في وقت أقصر بسبب الوجبات السريعة الرديئة. ومع ذلك، سيولد أطفال أشقياء مشاكسون ومتمردون، يحلمون بتغيير العالم، سيكتبون الأشعار ويتعلمون الرقص ويساعد بعضهم بعضاً في أشد الأوقات العصيبة، فكل هذا الخوف الذي أنتجه العالم لم يقنع زهرة واحدة بعدم المجيء، وإن كنت وقتها مجرد جثة غارقة في المحيط وبقربي كتيب بائس لتعلم السباحة، فسأكون سعيداً إلى أبعد حد بأن تتشبث بي يد ملهوفة تحاول تعلم السباحة.
مزاجي سيء، لذا أعتذر عن هذه الرسالة الكئيبة المكتوبة بشكل سيء. حين يتحسن مزاجي، أعدك بأني سأكتب لك رسالة كئيبة مكتوبة بشكل جيد.
المخلص دائماً إليك طالما أنك لا تأتين.
* كاتب ليبي
■ ■ ■

ستشفى تونس بلا إخوان ولا نكد ولا ظلاميّة
محمد عيسى المؤدب *
عام 2023 لن يكون عاماً عاديّاً محلياً في تونس وعربياً وعالمياً. ستتواصلُ تأثيرات كوفيد 19 على الإنسانيّة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً. كما أنّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستزيد الأوضاع توتّراً وتعقيداً في كلّ دول العالم.
في هذه الأوضاع المُعقّدة والمتأزّمة أكتبُ رسالتي إلى العام الجديد في ما يتعلّقُ بتونس بشكل خاصّ.
رجائي أوّلاً، أن تقترن سنة 2023 بتخلّص تونس من أخطبوط الإخوان المسلمين بشكل حاسم ونهائي، في زمن ما يُسمّى بالإسلام السّياسي الذي حكم عشر سنوات، عرفت فيها تونس أسوأ مرحلة في تاريخها سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً. الإخوان لا يعترفون بالدولة، ولا يجدون حرجاً في إسقاطها إن تعارضت مصالحهم ‏معها. فقد بدأ التخطيط الإخواني للسيطرة على مفاصل الدولة التونسية مع ‏ثمانينيات القرن الماضي‎. إنّها مرحلة الانحدار التي جعلت من تونس بلد تطرّف وإرهاب واغتيالات سياسيّة وتسفير الشباب لـ «الجهاد» في سوريا والعراق وليبيا بالإضافة إلى انتشار الجريمة وتضخّم الفساد بكلّ أشكاله. ولن تتخلّص تونس من هذا الأخطبوط إلّا بالكشف عن الحقيقة في القضايا الكبرى ومنها: الجهاز السرّي لحركة «النّهضة» المسؤول عن تخطيط العمليّات الإجراميّة وتنفيذها. ملف الاغتيالات السياسيّة، خصوصاً اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. شبكات العمليّات الإرهابيّة وتسفير الشّباب إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا، فضلاً عن سياسات الاختراق والإجرام التي تسبّبتْ في التدهور الاقتصادي وتضخّم الفساد والجريمة على امتداد عشر سنوات.
ثانياً، تونس في حاجة ماسّة إلى أن تُشفى من العديد من الأمراض التي حوّلت شعبها إلى شعب مأساوي حزين، في حاجة إلى الشّفاء من الشّعبويّة والثرثرة السياسيّة التي لا تُقدّمُ حلولاً بقدر ما تُعمّقُ الأزمات الخانقة التي يعيشها العباد والبلاد، في حاجة إلى الكشف عن لوبيات الفساد التي ألهبتْ الأسعار وصعّدت نسب التضخّم المالي والفقر والبطالة مقابل تراجع مُخيف لنسبة النموّ، فبلد يعيش على القروض والهبات، لا يعني أنّه بلا ثروات وإنّما يعني سوء حوكمة وانتشار الفساد في كلّ مؤسّسات الدّولة، وهو من تأثيرات جرائم الإخوان الذين ضربوا البلد في الصّميم، في عمق هويّته.
ثالثاً، تونس في حاجة ماسة إلى استعادة هويّتها، الهويّة المُعتدلة والمتسامحة والمتصالحة مع تاريخها وتراثها ومع راهنها. لعلّ أهمّ نقطة هي ضرورة استعادة قيمتي العمل والأخلاق، فما حدث في العشريّة الماضية في زمن الإخوان، هو إهدار قيمتي العمل والأخلاق لضرب الدولة وزرع الفوضى والفتنة والكراهية ثمّ المرور إلى التمكين الإخواني المقيت.
سنتشاطر بعضاً من الأوقات السعيدة التي سنسرقها من «إلهك»، من هذا الزمن المتجبر الذي لا يمنحنا الكثير لنكون ما نبتغيه (سلمى عمار)


2023 بلا شكّ سيكون عام أزمات وانتفاضات في تونس وفي الكثير من البلدان العربيّة وبلدان العالم، وهذا منتظر لأسباب مُتراكمة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لكن هذا لا يمنع من أن يكون عام حراك ثقافي حقيقي. نحتاج إلى إبداع في كلّ الفنون، في الآداب والسّينما والمسرح والموسيقى والفنّ التّشكيلي. نحتاج إلى تعبيرات جماليّة عن هويّتنا وقضايانا بأكثر حرفيّة وشغف بالفنّ والإنسان، بعيداً عن أشكال العنف والكراهية، بعيداً عن الحقد والنّفاق.
تنتهي سنة صعبة وشرسة ونستقبل سنة جديدة ببشائر الأمل، فأنا لست سوداويّاً ولا مُتشائماً رغم الأزمات الحادّة التي تعيشها تونس. وقد تعوّدت أن تعيش أزمات أكثر حدّةً لكنّها انتصرت في كلّ الهزّات وعلى مرّ العصور.
ستشفى تونس بلا إخوان وبلا نكد وبلا ظلاميّة، ستُشفى بهويّتها وإرادة شعبها التي لا تستسلم في أشدّ الأزمات. أجل تونس، وهذا ما نقرأه في التّاريخ البعيد والقريب، هي أرض الانتصارات.
2023 سيكون عاماً مُختلفاً ومصيرياً وحاسماً بلا شكّ. سننتهي من كذبة الإخوان، ومن تجّار الدّين، ليس في تونس فحسب، سيحدثُ ذلك أيضاً في ليبيا والمغرب، آخر معاقل الإخوان المسلمين.
* روائي تونس

■ ■ ■

دوام الحال من المحال
آمال مختار *
أعرف جيداً أن سنة 2023 لن يختلف عن سابقاتها. من السنوات الكالحات التي عاشتها الإنسانية جمعاء. وأعلم جيّداً أنّ كل من يدقق في ما نحن فيه سيدرك ببساطة الأطفال ألّا شيء سيتغير نحو الأفضل بسرعة السحر. كل شيء يحدث في الحياة لا بد له من أن يأخذ وقته الضروري له حتى ينتهي في ظروفه التي تليق به. سيتبدل كل شيء في أوانه لأنّه لا حال يدوم.
وستتبدل الأوضاع في بلادنا بتغيّر الواقع السياسي الإقليمي والعالمي، وسنذهب بالتأكيد نحو مرحلة جديدة سيكون فيها النظام العالمي في وضعية توازن أخرى.
مع ذلك، سوف أنخرط مع أصوات الأمل والتفاؤل لأتمنى لي ولعائلتي ولوطني تونس الخضراء وللعالم سنة فيها ما فيها ممّا كُتب علينا أن نعيشه، كما عشنا واستسلمنا لكل تلك العجائب التي مرّت علينا، فشاهدناها بأعين الدهشة ثمّ أغلقناها على غرائبها ونمنا.
أتمنى أن تعمّ المحبة بين الناس وأن يحل السلام العالم.
* مديرة «بيت الرواية» في تونس