تدخل إلى معرض اليابانيّة أتسوكو بینتین باروه (1955)، الذي منحته عنوان «عشتار ــ إلهة الحرب والحب» في «زيكو هاوس» (سبيرز ـ بيروت)، فلا ترى لا عشتار ولا ما يحزنون. والأدهى أنّك لا تلمس قيمة فنيّة يُعتدّ بها. لا تعرف إن كانت لوحاتها ذات الإباحيّة المبتذلة تصلح لأن تكون «تحيّة» للمرأة وتعاطفاً معها، أو هي تحقير لها وابتذال مجّاني لا علاقة له بالجرأة التعبيريّة! والأرجح أنّ هذه «الفنانة» غير معترف بها في بلادها (ينبغي أن يكون الأمر كذلك) أو هي مصنّفة درجة مئة ولا تستقبل الغاليريات المحترمة في اليابان أعمالها! عند التوقف أمام هذه «اللوحات» والتأمل فيها، يتبادر إليك سؤال: ما هذا ؟ أهذا فنّ أو هلوسات لونيّة وتكوينيّة ذاتيّة لشخص غير متوازن فكراً وموقفاً وتصوّراً، وغير موهوب، وغير ممتلك أدوات تعبيره فنّياً وتيماتيّاً؟


حين مضى بيكاسو في المنحى التكعيبيّ و«فكّك» المرأة، لم يكن يرمي إلى الإساءة إليها أو تحقيرها، فقد اشتهر عنه أنّه عاشق كبير لها ونهم في العلاقات الجسديّة، والنساء بدورهنّ عشقنه ولم يشعرن يوماً بأنّه يضمر أي إساءة أو تحقير لهنّ، ولم يحتجّ أحد منهنّ ولا من الناقدات ولا من النّقاد على رسمها بأسلوبه المعروف في عدد كبير من اللوحات، بل رأى ‏الجميع أنه طريف ومجدّد ومبدع وفنّان في ما رسمه وفي تصوّراته محض التشكيليّة والفنّية، ولم يكن عمل واحد مبتذلاً، بل كان على الدوام خلّاقاً وفريداً وصاحب مدرسة تحتذى في الرسم وأبعاده ودلالاته، إن الوجوديّة أو الميتافيزيقيّة أو الإنسانيّة بعامّة. عبقريّة بيكاسو غير مطروحة للجدال أو التشكيك، ونحن نقدّم هنا مثلاً ولا نجري مقارنة مع الموضوع الذي نعالجه هنا نقديّاً. معرض هذه اليابانيّة المدّعية صفة الفنانة، صادم شكلاً ومضموناً، ‏فلا الشكل يستوفي أي شروط من شروط الإبداع، ولا «التصوّرات» موجودة أو تستدعي التأمّل والشرح والتقويم.
لوحاتها تحقير للمرأة وابتذال مجّاني لا علاقة له بالجرأة التعبيريّة

حتى لو زعمت أتسوكو أنّها تعالج «قضيّة المرأة» وكليشيه «التحرّش» (تحوّل وجه امرأة متعرّضة للمسة تحرّش إلى وجه وحش مرعب!) و«التهميش» و«الاحتقار» وكل الشعارات التي باتت المرأة الواعية والواثقة من نفسها ترفضها وتكرهها من كثرة ما أضحت ممجوجة ومتكرّرة بمناسبة وغير مناسبة، وكلٌّ يتنطّح للقضيّة ويُدلي بدلوه فيها. وإذا رأفت هذه الرسامة الوافدة إلينا من أقاصي المعمورة بالمرأة، فإنّها في عدد من لوحاتها ترسمها في حالة من السعادة ‏والهدوء بين بنات جنسها، في حمّام عامّ، أو ضمن مجتمع نسائيّ حصريّ، كأنّ الرجال، كلّ الرجال، وحوش تحرّش واغتصاب، في حين أنّها تناقض مثل هذه الأطروحة في لوحات بورنوغرافية نرى فيها امرأة عارية متسلّقة فوق كتفي رجل، أو أخرى تمارس الجنس الفموي لرجل طوعاً!
خلاصة القول إنّ أتسوكو مدّعية الفنّ والتجريد والتصوّرات والمضامين، لا تعرف ماذا تريد، وموضوع المرأة شديد التشويش والاضطراب في شخصيتها الغريبة. أمّا لناحية التقنيات والشكل فإنّ تقليدها الأساليب التجريديّة، القديمة والمحدثة، واعتمادها الخطوط والحروفيات اليابانية، فلا جديد فيه على الإطلاق، بل شوهد منه الكثير، بالإضافة إلى أنّه لا ينطوي على براعة ورهافة وإتقان. فماذا يبقى ؟!

* «عشتار ــ إلهة الحرب والحب»: حتى 26 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــ «زيكو هاوس» (سبيرز) ـــ للاستعلام: 03/810688