‏نظرة حنونة تغلّف شخوص لوحات بهرام حاجو المعلّقة في غاليري 92 Downtown (ستاركو ــــ بلوك B) حتى 14 تموز (يوليو) المقبل. هذه الأعمال أنجزها الفنّان السوري المميّز بين عامي 2003 و 2010، بعدما كان قد ركّز اهتمامه في مرحلة سابقة (2007- 2008) على المناظر الواقعيّة، منجزاً تشكيلات قويّة تلفّها الظلمة والضوء، فوقفنا آنذاك حيال مشهديّات تتجاوز المآسي وبؤس الحالات الإنسانيّة.
«ثنائي» (مواد مختلفة على كانفاس ــــ 140 × 120 سنتم ـــ 2009)

‏في معرضه الحالي، يكتفي حاجو برجل وامرأة، تيمةً واحدةً أو نوتةً فريدة ينوّع عليها نغماته. لذا منح معرضه عنوان «صورة للزوجين». رجل وامرأة، حصراً، يتكرّر حضورهما في وضعيّات مختلفة، كأنّهما آدم وحوّاء معاصران يحيلاننا على الأسطورة الأولى و«المؤسّسة» لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة و«خبريّة» التفاحة.
في إحدى اللوحات، تقدّم المرأة تفاحةً إلى الرجل. أمّا عريها، فيمكن وصفه بالمستفزّ لخلوّه من الرغبة الجسديّة، عري «العورة» المجرّدة من مشاعر «الخطيئة الأولى»! الرجل أصلع، أو حليق الرأس، كأنّه بهرام نفسه في بورتريه ذاتيّ. والوشاح الملوّن المتبدّل لوناً في سلسلة اللوحات، هو إمّا أصفر، أو أخضر، أو أزرق داكن، يلفّ الجسد بأكمله، أو يغطّي جزءاً منه، ليغدو دثاراً ذا دلالات مبهمة.
‏جسدان كأنّهما يحملان رضّات (trauma) التجارب أو جروح الماضي ومعاناته. يعبّر الفنان عن عزلة الزوجين بمناخات الضيق والانكفاء كحالة اللذين يشيان بعنف نفسيّ وجسديّ تكابده المرأة. إنّه الصراع، إنْ لم نقل الحرب، بين الجنسين في حالة الاتحاد الزوجيّ، وسط منازل متهدّمة ومناظر طبيعية. الخلفيّة تتميز ببقع لونيّة. الجسد لدى حاجو، غير محميّ إلا من جلده، والفراغ الأبيض يرمز إلى الضياع، انعكاساً لروح الفنان.

«بورتريه» (مواد مختلفة على كانفاس ــــ 70 × 70 سنتم ـــ 2009)

يتعمّد حاجو الجمع في أدوات إبداعه بين الفحم والأكريليك وألوان البودرة، والرمل الذي يُؤْثِر ألوانه الطبيعيّة المُراوِحة بين الأحمر والأبيض المائل إلى البنّي الفاتح والرمادي. أمّا لوحته الخام باللون العاجيّ، فهي ملائمة للبيئة الرمادية المحيطة بشخصيتيه، وعلى وشك التلاشي، فيبدو بهرام راسماً نفسه أمام مرآة مغبّشة تفصله عن العالم الخارجيّ. شخصيتاه منزوعتا العاطفة، مرسومتان بألوان شاحبة على خلفيّة بيضاء، غير متّصلتين بمكان أو منظور أو فضاء. وتأكيداً على هذا الانطباع، يوضح بنفسه: «حين أرسم نفسي، أفعل ذلك، حين أمسي معرّى تماماً من الدفء والأمان والتماسك الإنسانيّ. لا شيء يعوّض ما فقدته».
عريها مستفزّ لخلوّه من الرغبة، من مشاعر «الخطيئة الأولى»


بهرام حاجو المولود في سوريا عام 1952، مقيم اليوم في ألمانيا، حيث درس الفنون الجميلة في «أكاديمية مونستر». يُعتبر حاجو من أبرز الفنانين في الحركة التشكيليّة الألمانية الحديثة، نال العديد من الجوائز والتكريمات العالمية، وأقام أكثر من خمسة وستين معرضاً منفرداً، فضلاً عن المعارض المشتركة. من أثمن الجوائز التي كُرّم بها فنّه «جائزة هنري ماتيس»، الأرفع قيمة في أوروبا. ولدى استعادة مراحل فنّه، نرى أنّه اعتمد الأسلوب التجريديّ بين عامَي 2001 و 2003، ثم جاءت مرحلة التكوينات الواقعيّة التي يخالطها قَدْرٌ من التجريد. معرضه اليوم في بيروت يستحقّ الزيارة والاكتشاف.

* «صورة للزوجين»: حتى 14 تموز (يوليو) المقبل ـــــ غاليري 92 Downtown (ستاركو ـ بيروت) ـــ للاستعلام: 03/838111 ــــ 81/386339