تقدّم الدراما السورية خلال الموسم الحالي، مجموعة من الأعمال التي وجد صنّاعها في مصطلح «دراما الواقع»، مظلةً لتبرير «جرأة» في طرح الفساد كثيمة أساسية لأعمالهم. استندوا في ذلك إلى رغبة المتلقّين في البحث عمّن ينوب عنهم في التعبير عن ضرورة تعرية الفساد من جهة، وجلدهم بقسوة مبالغة لتصوير محيطهم المفترض من جهة أخرى. هذا الأمر أخرج «الدراما التلفزيونية»، من دورها كجزء من «صناعة الترفيه»، إلى ممارسة دور صحافي ليس منوطاً بها. لعلّ هذا الدور جاء مستنداً إلى «مازوشية» من نوع خاص لدى الشريحة المتابعة لهذه الأعمال تقوم على الرغبة بـ «جلد الذات»، بقصص يبالغ كتّابها بالقسوة في حكاياتهم الأساسية بحجة أنّ «هذا الواقع». والواقع هنا لا يعني نهائياً «واقعية السينما» التي تنتصر للطبقات المهمّشة.التبرير بـ «الواقع»، جرّ كتّاب أعمال مثل «كسر عضم» و«مع وقف التنفيذ»، على سبيل المثال لا الحصر، لتكرار الوقوع في مطبات «الصورة النمطية»، المأخوذة عن شرائح معينة من المجتمع السوري. عمد صنّاع «مع وقف التنفيذ» مثلاً، إلى تنميط المتحدّرين من مناطق شرق سوريا في شخصية المسؤول الفاسد والهمجي الذي يؤدّيه فايز قزق. وإن كان الأخير قد خلق تمايزاً مع شخصيّته في مسلسل «كسر عضم»، فإنّ التنميط يأتي من ممارسات الشخصية في طريقة الأكل وما شابه. وإذا كان المقصود إظهار همجية في التعامل، فقد كانت مشاهد تعنيف زوجته عفاف (سلاف فواخرجي)، باستخدام أساليب متعدّدة للضرب كافية وإن كان عنفاً مبالغاً فيه. وكان على صنّاع العمل إعادة التفكير في مثل هذه الشخصية.
تُضاف إلى ذلك المبالغة في لهجة شخصيّتَي المغنية «غصون»، وشقيقها الذي جسّده الممثل زامل الزامل، المتحدّر أساساً من الرقة. لكنه حين استخدم لهجته الأم، لم يكن موفّقاً، فليس كلّ حروف الغين تُلفظ قاف، والعكس بالعكس. والنمط المأخوذ أنّ سكان الرقة وريفها يبدلون أيّ قاف بحرف الغين، وأيّ غين بحرف القاف، ناهيك بوجود فوارق في اللّهجة بين «غصون» و«شقيقها». وفي هذا الشقّ كان حرياً بـ «زامل»، أن يدقّق اللهجة لزميلته أثناء التصوير وألا يتركها تشطح.
صور نمطية عن المجتمع السوري وخطاب كراهية وتنمرّ


النمطية أيضاً حضرت في «كسر عضم»، لكن بصورة مختلفة. الكاتب وجد أنّ نمطية تبرير التحرّش بكونه ناتجاً عن ملابس الفتاة، كانت كافية لتكون حاضرة في مشهد لم ترتدِ فيه الممثلة ما يمكن أن يوصف بـ «الملابس الجريئة». وبعد ما أثاره المشهد من ردّ فعل على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدم الكاتب الوسائل نفسها ليصرّ على أنّ ما ساقه من تبرير موجود في «الواقع»، فهناك من يعتبر ملابس الفتاة السبب الرئيس للتحرش بها، وهذا تنميط للمجتمع السوري كاملاً لا شريحة بعينها.
كما أنّ الصورة النمطية عن وجوب «انحراف» أيّ فتاة تغادر منزل ذويها، حضر في المسلسل عبر شخصية بائعة الهوى التي تؤدّيها الممثلة نانسي خوري. فهي جامعية قرّر ذووها أن يزوّجوها لرجل يكبرها سناً، فرفضت وهربت من قريتها إلى دمشق لتنخرط لاحقاً في أعمال الدعارة كونها لم تجد فرصة عمل. وهذه صورة نمطية عن شريحة من النساء كنّ مجبرات على ممارسة نوع من الثورة على تقاليد مجتمعاتهن أو عوائلهن، وليس ضرورياً أن يكون تاريخ شخصية بائعة الهوى مقروناً بهروبها من منزل ذويها لسبب ما. هذه الجزئية من النص إن لم تناقش على أنّها اجترار مجموع الحكايات المشابهة التي طرقت مراراً في أعمال تلفزيونية وسينمائية سابقة، فهي «تنميط» يرقى لكونه اتهاماً مسبقاً لكلّ من تقرر أن تفرّ من منزل ذويها.
من «الخطايا» في الدراما أيضاً استخدام «خطاب الكراهية»، المباشر في أكثر من موضع من «كسر عضم». لعلّ مشهد شتم شخصية سومر، لمايك فغالي أوضحها وأكثرها خروجاً على القواعد البسيطة لكتابة أيّ نص أدبي، وتحوّل المراد من هذا المشهد إلى «قدح وذم» لشخصية حيّة. كأن هذا المشهد سيزيد قوة المسلسل بوصفه «دراما واقع»، إن صح المصطلح أساساً.
الرقابة مرفوضة بشكل مطلق، وكان الأَولى بصنّاع العمل أن يتجنّبوا ما ذكرناه سابقاً. لكنّ الواقع أنّ الضوابط الرقابية التي تضعها الجهات المختصّة في صناعة الدراما في سوريا (تبدأ من إجازة النص فالموافقة على التصوير وصولاً إلى مشاهدة ما قبل العرض) تقوم حالياً على عدم رفض أيّ نصّ وإنما طلب تعديله ولو كان تعديلاً كلياً. ويبدو أنّ هذه الرقابة لا تهتم بالصور النمطية، وخطاب الكراهية والتنمّر، ولا تعي حتى خطورتها.