عند الانهيارات الاقتصادية، ليس هناك متسعٌ من الوقت لإيجاد حلول جذرية. لذا، يسعى المواطن إلى خلق الفرص والبحث السريع عن بدائل. ليس سهلاً الاستغناء النهائي عن حاجة أولوية، بل يتوجّه معظم الناس إلى تعويض حاجاتهم بما يعادلها أو ما يعوّض وجودها. ما البديل إذاً عن الكتاب بعدما لامس سعر صرف الدولار 30 ألف ليرة لبنانية كحدّ أقصى منذ حوالى شهر ولا يزال يتأرجح صعوداً ونزولاً إلى هذا الحين؟ كيف يصرّ اللبناني على حتميّة وضرورة اقتناء الكتب بعدما أصبح سعر الكتاب الواحد ما يقرب من 300 ألف ليرة لبنانية؟ إعارة الكتب مقابل بدل مادّي رمزي هو حلّ ميكانيكيّ انتهجته مجموعة من الشّباب من كافة المناطق والمحافظات اللبنانيّة، لتخدم تطلّعاتها ولتكون سبباً في استمرار الحياة ورؤيتها.
تزامناً مع بداية الأزمة أواخر عام 2019، قرّرت الشابة الحقوقية لين رمال، من خلال المردود المالي الذي تجنيه من الدروس الخصوصية، أن تجمع رأسمال لافتتاح مشروعها الخاص. هكذا، استأجرت مكتبةً في السوق التراثي الشعبي في بلدتها أنصار (جنوب لبنان). تتنوّع الخدمات التي تقدّمها رمال في المكتبة بدءاً من الاشتراكات الشخصية داخل المكتبة والاشتراكات الخارجية التي تراوح أسعارها بين 100 ألف و120 ألف ليرة لبنانية، إضافة إلى خدمة إعارة الكتب خارج المكتبة التي تحدّده وفق مدّة زمنية محدّدة ابتداءً من 30 ألف ليرة لبنانية. تُقدّر رمال عدد الكتب المخصّصة للإعارة شهرياً من حوالى 650 إلى 700 كتاب. تتنوّع مجالات ومحتويات الكتب ابتداءً من السياسة، الأدب والشعر، الدين، الإعلام والدراسات وصولاً إلى الاقتصاد وغيرها من الحقول الواسعة. أما عن المبيع، فتلفت رمال إلى أنّ بيع الكتب في مكتبتها متوقّف بشكل شبه كلّي وأنّ اعتماد الزبائن واعتمادها في هذه المرحلة على الإعارة والاشتراكات الشهرية فقط. في الوقت عينه، افتتحت سلام دقماق الطالبة الجامعية التي تدرس العلاج الفيزيائي حساباً عاماً على انستغرام باسم Renting Books. كونها تمتلك كمية كبيرة من الكتب، وكوّنت علاقات وقامت بشراء كميات إضافية من الكتب، ترى دقماق أنّ هناك ميزة أساسية لمن يستعير الكتاب مقابل بدل مادي رمزي، ألا وهي حتمية التزامه بفترة القراءة، إلى جانب توفير المال. أما عن بدل التأجير، فهو لا يتعدّى 20 ألف ليرة لبنانية لمدة زمنية تتخطى الأسبوعين. كما تُقدّر دقماق عدد الأشخاص الذي تعاملوا معها منذ سنة لغاية الآن بحوالى ألف وأربعمئة شخص. وعن خدمة الديليفري التي باتت تفوق استئجار الكتاب أضعافاً، قرّرت توقيف خدمة التوصيل وأتاحت خدمة الاستلام من مقرّها في منطقة مار مخايل في بيروت. للأطفال أيضاً حصّة مع ريتا سعادة التي تؤمن أنّ للكتاب فوائد لا تقدّر لدى الطفل في كيفية تنشئته تربوياً وسلوكياً. ولكونها أمّاً حديثة، فقد لاحظت الغلاء والارتفاع الجنوني الذي أصاب هذا القطاع، وخصوصاً الكتاب الموجّه إلى الطفل. هكذا، قرّرت سعادة افتتاح مكتبتها الخاصة تحت اسم Lebanon Rent a Book.
استأجرت لين رمال مكتبة في السوق التراثي الشعبي في بلدتها أنصار

تضم الأخيرة كتباً في اللغات الثلاث، العربية، الفرنسية والإنكليزية. ما لم تتوقّعه سعادة أن يكون الإقبال كثيفاً، والتفاعل من جميع المناطق والمحافظات بدءاً من بيروت، الجنوب والنبطية وصولاً إلى طرابلس وزحلة. وفي ما يخص الأزمات المتشعّبة والمستمرة، تلفت سعادة إلى أنّ ما قبل ارتفاع أسعار الوقود نتيجة رفع الدعم عن المحروقات، ليس كما قبله. ما جعل الزبائن يشعرون بثقل الفواتير نسبةً إلى تكلفة التوصيل. لكن انطلاقاً من اعتقادها بأنّ الكتاب يشبع فضول الطفل حول معاني حياتيّة كثيرة، لم تتوقف محاولاتها عن إيجاد حلول مناسبة للزبائن بعدما أصبحت كلفة الديليفري أكثر من سعر الكتاب، فأصبحت تتيح فترات الإعارة إلى شهرين بعدما كانت متاحة لأسبوعين فقط. أمر سهّل على الزبائن إمكانية طلب كمية من الكتب وردّها بعد مرور فترة طويلة. تسعّر سعادة إيجار الكتاب بحسب سعره الأساسي، فالكتاب الذي يُباع بـ 300 الف ليرة لبنانية تؤجّره بـ 30 ألف ليرة لبنانية فقط.
القيّمون على هذه المشاريع اعتبروا أنّه بإمكاننا جميعاً أن نقرأ ولو بالتداول من دون امتلاكنا الكتاب، ليسجل دوماً للقطاع الثقافي خلال الحرب والسلم والخضات والأزمات، استمراريّته ونضاله بروّاده في غياب الدعم أو المبادرات الحكومية.