رغم اختفاء الخيول في المدن؛ هناك في مدينة فيلادلفيا الأميركية، لا يزال التعامل مع الخيول وتربيتها قائماً من قبل رعاة بقر من أصحاب البشرة السوداء. إرث ثقافي تاريخي يحافظ عليه الأميركيون من أصل أفريقي، وتقليد يتم تجاهله من قبل المجتمع، وغسله واحتكاره من أصحاب البشرة البيضاء. فيلم «رعاة بقر الإسفلت» (2020) يقدم قصة خيالية داخل مجتمع حقيقي دائم وحاضر. قصة خيالية عائلية وعلاقة الأب هارب (إدريس ألبا) والابن كول (كاليب ماكلوهلن) في حي حقيقي من أحياء فيلادلفيا.

قوة الفيلم ليست في الميلودراما العائلية، إنها نقطة الانطلاق لتعريفنا بمجتمع حقيقي لرعاة البقر السود الحضريين. يُعرف هذا المجتمع باسطبلات «فلتشر ستريت» في شمال فيلادلفيا. رعاة البقر هؤلاء لديهم اسطبلات مرتجلة لخيولهم، يبنونها على أراضٍ مهجورة أو مبانٍ قديمة يستأجرونها. وما جعل الفيلم أكثر إقناعاً هم الشخوص الثانويون وهم فرسان حقيقيون من اسطبلات «فلتشر ستريت». عالم حقيقي لا نعرف عنه شيئاً ويستحق أن يُروى بشكل جيد، من قبل الناس الذين يعيشونه. تجنب المخرج ريكي ستوب الوقوع في النغمة الوثائقية، لذلك قدّم قصة مستوحاة من رواية «غيتو كاوبوي» لغريع نيري، ما أعطى الفيلم توازناً بين الإثارة لقصة الشاب الجديد على المجتمع ووالده، والتعاطف مع هذا المجتمع، وكذلك الحفاظ على خصوصيته واحترام نضالاته، من خلال عكس مشاكله ومستقبل اسطبلاته وثقافته التي يتم محوها، إضافة إلى فقره وأولوية إطعام أحصنته والاعتناء بها على إطعام نفسه.
إرث ثقافي تاريخي يحافظ عليه الأميركيون من أصل أفريقي


من ناحية القصة العائلية، يقدم الفيلم ملخّصاً قصيراً متوقّعاً، قصة كلاسيكية عن النضوج تحتوي على جميع العناصر الأكاديمية النموذجية. مراهق متمرد، التأثير السيّئ من قبل الأصدقاء، البيئة الجديدة، التجارب، والشغف الجديد الذي يجعله يعيد التفكير في حياته. شيئاً فشيئاً، سيكتشف كول خصوصيات وعموميات والده ومجتمع رعاة البقر. يتعلم تنظيف فضلات الخيول، ركوبها والجوانب النبيلة لحياة هؤلاء البشر. مجتمع رعاة البقر هو منفذ يعمل على توجيه مسار بعض الشباب من الأحياء الهامشية، الذين يعيش معظمهم بين العنف والمخدّرات والموت، لذلك يمكن أن تكون رعاية حيوان نبيل مثل الحصان علاجاً لهم.
عرف ريكي ستوب كيف ينقل الكثير من هذا العالم الصغير، من دون الوقوع في كليشيهات الإدانة الاجتماعية. غمّسنا الفيلم في هذه الثقافة، ونقل صورة جميلة لأشخاص تمّ محوهم في الذاكرة السينمائية الهوليوودية. أفضل المشاهد في الفيلم هي التي تظهر رعاة البقر حول النار في منتصف الشارع يتسامرون ويحكون قصصهم القديمة ومشكلاتهم ومخاوفهم. لطالما كان رمز الحرية الأميركية هو رجل على ظهر حصان، رعاة البقر الأميركيون الأفارقة يطالبون بهذه الحرية لأنفسهم. الفيلم يعكس صورة لتقليد عمره قرون يكافح للبقاء تحت تهديد الرأسمالية والتوسع العقاري والتطور التكنولوجي. «رعاة بقر الإسفلت» فيلم ودود، بسيط ومتواضع مثل شخصياته، وفيه نبرة ريفية مثيرة للاهتمام رغم أننا لسنا في الغرب المتوحّش، بل في شمال مدينة فيلادلفيا الكبيرة، حيث إدريس ألبا مع سرجه على الحصان يضع جون وين في جيبه الصغير.

Concrete Cowboy
على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا