في فيلمه القصير الذي نال «جائزة تيدي» أخيراً وعرض ضمن «أشغال فيديو» في «متروبوليس أمبير صوفيل»، يعرض الزميل روي ديب رحلة شابين مثليين من لبنان إلى رام الله تزامناً مع مونديال 2010. يبدأ الشريط بلقطات من نافذة السيارة المتجهة نحو رام الله، بينما نستمع إلى أحاديث الشابين اللذين لا نراهما طوال الفيلم. عدم رؤية الشابين العشيقين، يضع الصورة الظاهرة في تناقض دائم مع الصوت الذي يخبر قصة أخرى.
هذه الناحية التجريبية كافية لأن تزرع مساحة متخيلة خفية ضمن الشريط الذي يقارب في أسلوب تصويره الفيلم الوثائقي أو أفلام الطريق (Road Movies). هكذا نشعر كأنّ فيلماً آخر قيد الحدوث في عتمة كواليس الشريط المصوّر. حتى في اختياره للعنوان «مونديال 2010»، أو أمام ذريعة الفيلم المتمثّلة في الرحلة إلى رام الله، يحيد بنا المخرج عمداً عن موضوع الفيلم الرئيس. كأنه يخلق هدفاً وهمياً ليؤكد لنا في النهاية على عدم جدوى البحث من خلال كل الطرقات التي يجوبها بالكاميرا أثناء الفيلم، وصولاً إلى المشهد الأخير حين يخبر أحد الشابين صديقه عن إحساسه بأنّ مدينة رام الله تختفي.
نقل معاناة
مثليي العالم العربي بطريقة غير مباشرة

من خلال تجسيده للعلاقة العاطفية بين الشابين (نسمع عنها و لا نراها)، ينقل المخرج بطريقة غير مباشرة معاناة المثليين في العالم العربي التي تحتم عليهم التخفي وعيش حياة مزدوجة، تماماً كالفيلم الذي يتماهى بأسلوبه مع هذه الحالة ويجسد هذا التناقض بين الخارج والداخل. علماً أن هذه المعاناة لا تقتصر على المثليين والمثليات، وإن كان المجتمع أكثر قسوة وعنصرية تجاهم، بل تتخطاها لتعبّر أيضاً عن قمع كل الحريات الفردية في العالم العربي، فتصبح أي علاقة عاطفية أو جنسية خارج مؤسسة الزواج قيد المحاكمة. تمثّل الحوارات، بعفويتها وحميميتها، نقطة قوة أخرى. من دون حاجة للصورة، ينجح الحوار في أن يجسد لنا العلاقة العاطفية بين الشابين بتقلباتها وتوترها التصاعدي الذي يصل إلى ذروته في النهاية. علاقة يعزّز قوتها التفاعل الناجح بين الممثلين زياد شكرون وعبد قبيسي. قد يكون اختيار المخرج لرام الله تجسيداً آخر لحالة القمع نفسها التي يعيشها الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنات التي تبتلع شيئاً فشيئاً ما تبقى من فلسطين. تجد المستوطنات مكاناً لها في مشهد من الفيلم، فيما تأتي المشاهد الأخيرة لرام الله المعتمة من السيارة لتتماهى مع علاقة الحب الخفية بين الشابين وتنقل رؤية أكثر سوداوية رغم خفة العمل الظاهرية التي يتبناها المخرج في البداية، قبل أن يقودنا تدريجياً نحو الدراما. كأنه يؤكّد عبر هذه الصور الأخيرة أن كل حياة تعيش في عتمة الخوف والقمع مهددة دوماً بالاختفاء، تماماً كرام الله، وكعلاقة الحب بين الشابين.