أيامٌ قليلة ويدخل الفنان والناشط الإعلامي السوري عبد الوهاب مُلّا (1988) شهره الثالث في سجون «دولة الإسلام في العراق الشام»، وسط تضارب الأنباء عن مكان احتجازه الحالي، ومعلومات شبه مؤكدة تفيد بأنه لا يزال على قيد الحياة. تعود قصة اعتقال مُلّا إلى 7 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يوم داهم مسلحون منزله في حي مساكن هنانو في حلب، واعتقلوه برفقة ستّة من أصدقائه. في الأيام الأولى من اعتقاله، احتجز عبد الوهاب مُلّا في مقر «داعش» في حي «قاضي عسكر» الحلبي، قبل أن يُنقل منه. وتشير آخر المعلومات المتوافرة إلى أنّه موجود حالياً في سجن «داعش» في قرية «عنجارة» في المدينة نفسها. وثمة أنباء أفادت بأنّ الفصيل المتطرف يُخضعه لـ«دورة شرعية يحفظ خلالها القرآن»، على أن يطلق سراحه بعدها. والمسلحون الذين أوقفوا ملّا ينتمون إلى أحد فصائل «الجيش السوري الحر» المتعاونة مع «داعش»، وتم تسليم مُلّا إلى التنظيم المتطرّف الذي كان الفنان مطلوباً لديه بتهمتين معلنتين: «العلمانية»، و«الضرب بالمعازف»!
يتمتع عبد الوهاب مُلّا بموهبة فطرية. رغم أنّه لم يواصل دراسته، إلا أنّه كان حريصاً على البحث والتعلم. يقول أحمد (اسم مستعار) أحد أصدقاء مُلّا لـ«الأخبار» إنّ «عبد الوهاب يتميّز بأنّ أي معلومة جديدة كانت تشكل له محرّضاً للمزيد من البحث». وأضاف: «ذات مرة، سمعني أتحدث عن «موسوعة حلب المقارنة» للعلامة خير الدين الأسدي. وبعد يومين أخبرني بحماسة كبيرة أنّه حصل عليها وقرأ 80 صفحة منها».
يمكن اعتبار ملا الملقّب بـ«أبو صطيف»، واحداً من الناشطين الذين دفعوا ثمن اندفاعهم وتحمسهم لـ«الثورة» على علّاتها، فأصحاب الرايات السوداء الذين يعتقلونه اليوم هم أنفسهم الذين كانوا يرونه ويستمعون إليه في التظاهرات المعارضة التي كان يمسك خلالها الميكروفون ويغنّي للثورة.
يؤكد أحمد أنّ عبد الوهاب تلقى عروضاً عدة للانضمام إلى «داعش»، كما عُرض عليه أن يكون «ناطقاً إعلامياً باسم الهيئة الشرعية»، لكنّه كان يجيب: «أنا لا أعمل لحساب أحد». قدّم مُلّا أغنيات عدّة كُتبت ولُحّنت خصيصاً له؛ أبرزها «باص جنيف» (الأخبار 25/1/2014) التي حصدت شهرة واسعة أخيراً. كذلك، أدّى العديد من «الاسكتشات» التي عُرضت على بعض الشاشات «المؤيدة للثورة»، وعلى يوتيوب، منها سلسلة «هادا كل شي صار» التي أدى ملا بطولتها إلى جانب الناشط محمد سعيد، علماً بأنّ الأخير اشتغل لاحقاً مراسلاً لقناة «العربية»، واغتيل قبل أيام من اختطاف شريكه. اشتهر مُلّا أيضاً بسلسلة «ثورة 3 نجوم» التي يُعتقد أنّها كانت أكثر ما أثار نقمة «داعش» عليه. «آخر حلقات السلسلة التي قدّمها كانت بعنوان «الخلافة الإسلامية والدولة المدنية»، حيث هاجم الداعين إلى الخلافة»، وفق ما يقول أحمد، مضيفاً إنّ صديقه أكد خلال الحلقة أنّ «الخلافة بدها نضافة».
يرى أحمد أنّ التنظيم التكفيري لم يتحمّل فكرة «أن يواجهه ناشطٌ بحقيقة قذاراته»، مشيراً إلى الدور الأساسي الذي لعبه مُلّا في تشكيل «اتحاد الإعلاميين» في حلب الذي ضمّ معظم الناشطين الإعلاميين المعارضين في المدينة. بعد تزايد حالات استهداف «داعش» للإعلاميين، أصرّ «أبو صطيف» على تشكيل الاتحاد، كوسيلة لتوحيد جهود الإعلاميين في مواجهة التطرّف، «وهذا سبب آخر وراء نقمتهم عليه» وفق أحمد.
إذاً، مرّت الأيّام ومُلّا لا يزال قيد الاعتقال، فهل يعود السبب إلى صعوبة «الدورة الشرعية» التي يخضع لها؟ أم أنّ مُحتجزيه فضّلوا إبقاءه لديهم ليضمنوا عدم عودته إلى «الضلال والضرب
بالمعازف»؟