كأنّما أعاد العام الماضي اكتشاف جورج نصر (1927)، بعد فترة طويلة من إهمال تجربته، وغياب أفلامه عن صالات العروض اللبنانيّة، وحتى عن المكتبات السينمائيّة. دعي المخرج اللبناني السنة الفائتة إلى «مهرجان كان» في مناسبة الذكرى الستين لمشاركة فيلمه «إلى أين؟» (81 د ــ 1957) في المسابقة الرسميّة من المهرجان كأوّل عمل لبناني، حيث أعيد عرض النسخة المرمّمة من الشريط ضمن فئة «كلاسيكيات كان» بحضور المخرج. هذه السنة أيضاً، عرض الفيلم في لبنان ضمن مهرجانات أو مناسبات خاصّة ومغلقة. لكن من لم يستطع حضوره، صار بإمكانه شراء نسخة DVD مرمّمة ونظيفة ومترجمة إلى الإنكليزية والفرنسيّة، أطلقها «نادي لكلّ الناس» أخيراً (بالتعاون مع شركة «أبوط»، و«مؤسسة سينما لبنان»، و«جامعة الألبا»)، في «دار النمر». يتضمّن الـ DVD أيضاً، فيلماً وثائقياً بعنوان «نصر» (Un Certain Nasser ــ 65 د) للمخرجين بديع مسعد وأنطوان واكد. اعتمد المخرجان على مشاهد من أعمال جورج نصر، ومقابلة مسهبة معه تستعيد سيرته الشخصيّة والسينمائيّة والنقابيّة التي خاض فيها معارك طويلة من أجل الصناعة السينمائيّة في لبنان. في عمله النقابي كما في سينماه، كان نصر من أوّل من دشّن مصطلح السينما اللبنانيّة بهواجسها وأزماتها وهوياتها، في زمن السينما المصرّية ورواجها. لهذا يعتبر نصر مؤسس السينما اللبنانية، بتجربة سبقت بسنوات جيل الحرب من السينمائيين اللبنانيين أمثال برهان علوية وجان شمعون ومارون بغدادي وجوسلين صعب وآخرين. هكذا يرجع الشريط الوثائقي إلى بدايات نصر، وأفلامه «الغريب الصغير» (1962) الذي شارك في «كان» أيضاً، وصولاً إلى «مطلوب رجل واحد» (1973) الذي صوّره في سوريا، لكنه لم ينل النجاح المرجوّ بسبب تزامن إطلاقه مع اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانية عام 1975.

أما باكورته الأولى «إلى أين؟» التي ستكون متوافرة في المكتبات الثقافيّة في بيروت، والـ «فيرجين ميغاستور»، ومكتب «نادي لكلّ الناس»، فتناولت مآسي هجرة اللبنانيين التي رآها المخرج اللبناني عن قرب في نيويورك والبرازيل. يستند الفليم الروائي إلى سيناريو للمصري جلال الشرقاوي، حول هجرة رب أسرة لبناني إلى البرازيل، وتحمّل مشقّة البعد عن عائلته التي قد يلاقي أفرادها مصير الهجرة نفسه. صوّرت الأحداث في منطقة درعون، وقد أدت بطولته كل من نزهة وهيام يونس، وشكيب خوري ومنير نادر وممثلين آخرين جسّدوا ثلاثة أجيال في العائلة اللبنانيّة. رغم هذا التنبّه المبكر للظروف الاقتصادية والسياسية اللبنانية الراهنة لفترة لم تنل اهتماماً كبيراً من السينما، لم يحظ الفيلم بفرصة العرض في لبنان. إذ ووجه بالسلطات الداخلية والضغوطات السياسية، في حين تمكّن من عرضه لوقت قصير في مدينته طرابلس بعدما رفضته معظم الصالات المحليّة.
حمل الشريط بعضاً من تأثيرات الواقعيّة الإيطاليّة الجديدة، فكان كاشفاً وجامداً ربّما بالنسبة إلى من اعتادوا على أفلام هوليوود والسينما المصرّية. لكن العودة إلى تلك الفترة ضروريّة اليوم للمهتمين بالسينما المحليّة وبداياتها، على أمل أن تصدر نسخ من إعلاناته التوثيقيّة التي كان قد أنجزها لوزارة السياحة اللبنانية، وفيلماه الآخران اللذان يسعى «نادي لكل الناس» إلى إصدارهما لاحقاً.