تونس والمغرب وفلسطين والجزائر ولبنان عثمان تزغارت
سجّلت السينما العربية في «مهرجان تورنتو السينمائي» الـ33 الذي اختُتم أخيراً، عودة قوية إلى واجهة المهرجانات السينمائية الدولية، بعد غياب أكثر من عقد. المهرجان الكندي البارز الذي يُعدّ ثاني أضخم تظاهرة سينمائية دولية بعد «كان»، احتضن هذه السنة خمسة أفلام عربية من لبنان والجزائر وتونس والمغرب وفرنسا وفلسطين.
ثلاثة من هذه الأفلام العربية المشاركة انفرد «مهرجان تورنتو» بعرضها العالمي الأول، أي إنّ إنتاجها استُكمل هذا الصيف، وبالتالي لم تجد طريقها إلى بقية المهرجانات الأخرى، وهي: «خامسة» للتونسي كريم دريدي، و«بصمة الملاك» للمغربي المغترب في فرنسا صافي نبّو، و«عيد ميلاد ليلى» للفلسطيني رشيد مشهراوي. أما الفيلمان الباقيان، فقد عُرضا في «مهرجان كان» الأخير، وهما: «بدّي شوف» للبنانيين جوانا حاجي ــــ توما وخليل جريج، و«المعقل الأخير» للجزائري رابح عامر زعيمشكريم دريدي الذي اكتشفته الأوساط السينمائية العالمية، منتصف التسعينيات، حين قدّم فيلمه الأشهر Bye Bye، سجّل عودته بعد خمس سنوات من الغياب، فآخر فيلم قدّمه، وهو «صخب»، يعود إلى عام 2003. في جديده «خامسة»، يستعيد دريدي تيمته الأثيرة المستوحاة من طفولته في أحياء المهاجرين العرب في مارسيليا، حيث يصوّر قصة صداقة تنشأ بين ثلاثة أطفال في حي هامشي فرنسي، اثنان منهم غجريان (توني وماركو) والثالث عربي (رشيد).
أما صافي نبّو الذي عرفناه ممثلاً في أفلام فرنسية عدة، أشهرها Enfances (إخراج يان لوغال وإسماعيل فاخوري ــــ 2007)، فيخوض هنا تجربته الثانية كمخرج، بعد «عنق الزرافة» (2004). ويتناول في «بصمة الملاك» قصة نفسيّة مقتبسة من رواية شهيرة لنانسي هيوستن بالعنوان نفسه. وهي قصة أمّ (تؤدي دورها النجمة الفرنسية كاترين فرو)، تحضر برفقة ابنها الصغير حفلة عيد ميلاد تتعرف خلالها إلى الطفلة لولا. ولسبب مجهول تتولّد لديها قناعة غريبة بأنّ لولا هي ابنتها التي فقدتها قبل ست سنوات، فتطاردها في كلّ مكان، وتدخل في صراع مع أم تلك الطفلة...
في «عيد ميلاد ليلى» يجدّد السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي تجربة العمل مع الممثل محمد بكري، بعد 12 سنة على تعاونهما الأول في فيلم «حيفا»، أبرز أفلام مشهراوي وأكثرها اكتمالاً. يتقمّص محمد بكري في العمل الجديد دور قاض فلسطيني في رام الله تدفعه ظروف الاحتلال والأوضاع المتأزمة للسلطة الفلسطينية إلى العمل سائق تاكسي. وتدور أحداث الفيلم على مدار يوم واحد، لتصوّر وقائع الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، من خلال جولة يقوم بها القاضي/ السائق عبر شوارع رام الله وأحيائها، بحثاً عن حلوى عيد ميلاد لابنته الصغرى ليلى.
أما فيلما «بدّي شوف» لجوانا جاحي ــــ توما وخليل جريج و«المعقل الأخير» لرابح عامر زعيمش، فقد سبق أن تناولناهما في هذه الصفحات، أثناء عرضهما في «مهرجان كان» الأخير. ويصوّر الأول (بطولة كاترين دونوف) آثار الدمار الذي خلّفه عدوان تموز في الجنوب اللبناني. بينما يروي الثاني قصة ربّ عمل مُسلم يمتلك ورشة في منطقة صناعيّة فرنسية معزولة، يقرّر فتح مسجد أو مصلى صغير، استجابةً لرغبة عمّاله، ومعظمهم من المهاجرين العرب. وإذا بهذا القرار يدخله في دوامة بلا نهاية من الصراعات والمشاكل الإدارية...
وفي مقابل هذا الحضور العربي المميز، خصّص «مهرجان تورنتو» مكانةً بارزة للسينما الإسرائيلية، إذ قدّم ستة أفلام تعكس الحراك الذي يشهده الفن السابع في الدولة العبرية. بين تلك الأعمال، نشير إلى Restless للمخرج المخضرم عموس كوليك. ولعلّ أبرز الأفلام الأخرى، جديد عموس غيتاي «ستفهم في ما بعد» (بطولة جان مورو وإيمانويل ديفوس)، ويتناول العلاقة الإشكالية بين أم يهودية وابنتها في فرنسا: الأولى ما زالت تعيش تحت وطأة المحرقة النازية التي عايشتها، والثانية تتطلّع إلى التحرر من ثقل هذا الإرث. واللافت أن غيتاي طلب أن يُدرج فيلمه رسمياً في «تورنتو» بوصفه عملاً فرنسياً ــــ ألمانياً مشتركاً، تجاوزاً لحدّة الهجمات التي تعرّض لها في بلاده، وأدت إلى حجب أي تمويل رسمي إسرائيلي عنه، بعد فيلمه الأخير «انسحاب».
ومن ميزات الدورة المنتهية لـ«مهرجان تورنتو»، بعد «البندقيّة» التي احتضنت فيلم عباس كياروستامي، أنّ السينما الإيرانية سجّلت عودتها إلى المهرجانات العالمية بعد أربعة مواسم من الغياب، وذلك عبر فيلمين هما: «فرس يمشي على رجلين» لسميرة مخملباف، ويمثّل عودة المخرجة الشابة منذ «الخامسة بعد العصر» (2003)، و«ثلج» لعيادة بيغتش (إنتاج مشترك إيراني ــــ بوسني). كما سجّلت السينما الأفغانية حضورها في «تورنتو» من خلال فيلم يحمل عنوان «طفل كابول» من إخراج برمك أكرم.

هوليوود تختار الجار الكنديبرنامج «مهرجان تورنتو» لهذه السنة استعاد بالفعل بعض أبرز الأفلام التي قُدّمت في برلين وكان والبندقية.
لكنه تضمن أيضاً 116 فيلماً انفرد بتقديم عروضها العالمية الأولى (من مجموع 312 فيلماً من 64 دولة).
وبينما لم ينجح «مهرجان البندقية» في استقطاب أي فيلم هوليوودي بارز، تضمن برنامج «تورنتو» 75 فيلماً أميركياً، منها 42 فيلماً انفرد بتقديم عروضها العالمية الأولى، ومنها «رجال محظوظون» لنيل بورغر، و«لا شيء سوى الحقيقة» لرود لوري، و«إخوة الدّم» لرايان جونسون، و«معجزة في سانت آنا» لسبايك لي، فضلاً عن الفيلم الجماعي «نيويورك أحبّك» الذي أُعدّ على شاكلة فيلم «باريس أحبك» الذي قُدّم قبل عامين في «كان». وشاركت في إخراج «نيويورك أحبك» كوكبة بارزة من السينمائيين من مختلف الجنسيات، منهم: فاتح آكين وألين هوغس وشونجي إيواي وسكارليت جوهانسن وناتالي بورتمان وميرا ناير وجيانغ وين...
ولم يقتصر الأمر على الأفلام الأميركية، بل نجح تورنتو بأن «يسرق» من البندقية أيضاً العروض العالمية الأولى لأفلام أوروبية بارزة، ومنها «الرجل صاحب الحِكَم الثلاث» للفنلندي ميكا كوريسماكي، وSlumdog Millionaire للبريطاني داني بويل (فاز بجائزة «تورنتو» الكبرى التي يمنحها الجمهور لا لجنة تحكيم)، و«التوقيت الصيفي» للفرنسي أوليفييه أساياس.
وفي خطوة تصعيد جديدة في معركة لي الأذرع المعلنة بين «البندقية» و«تورنتو»، أعلن ماركو مولر بعد أقل من أسبوع على اختتام «مهرجان البندقية» أنّه قرّر تعديل موعد المهرجان بدءاً من العام المقبل، ليُفتتح في 2 أيلول (سبتمبر) بالتزامن مع «تورنتو»، وذلك لدفع المنتجين والسينمائيين إلى اختيار أحد المهرجانين، بدلاً من إمساك العصا من الوسط، بالمجيء إلى «البندقية» ثم مغادرة المهرجان خلال أسبوعه الثاني للالتحاق بتورنتو!