سلسلة إلكترونية بدأ عرضها أول من أمس صباح أيوب
أربعُ دقائق يومياً، ولمدّة شهرين: دقيقتان من غزة الفلسطينية، ودقيقتان من سديروت الإسرائيلية. هذه هي «الجرعة» التي قرّرت القناة الفرنسية ـــ الألمانية الثقافية arte تقديمها لزائري موقعها الإلكتروني كل يوم. تحت عنوان «غزة/ سديروت الحياة رغم كل شيء»، بدأ موقع المحطة الأوروبية بعرض سلسلة أفلام وثائقية قصيرة، منذ يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. على الصفحة، خطّ واضح يفصل بين الأشرطة الآتية من مجتمعين غير متشابهين. حتى اسما المدينتين كُتبا بأحرف مختلفة. أرادت arte أن تلحظ الفرق بين غزة وسديروت، ولكنها لم تبيّنه إلا عبر «الغرافيك». فهي، كما ذكرت، تريد أن تنقل «الحياة اليومية كما هي» من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ولكن ذلك عبر مساواة افترضتها مسبقاً بين أفراد المجتمعَين وصوّرت الأشرطة على أساسها. تحت شعار أنّ «نقل واقع من دون الآخر هو تجسيد جزئي للحقيقة»، جمعت arte صيّاد سمك في ميناء غزة ومزارعة في سهول بيت لهيا وسائق سيارة إسعاف وربّة منزل ورياضياً شاباً، إلى جانب صاحب محل في سديروت، وموسيقي وطالبة مدرسة ومصففة شعر إسرائيليين... وصوّرت في دقيقتين تفصيلاً يومياً في حياة كل منهم. لكن ما أغفلته المحطة من «واقع وحقيقة» هو الفرق الشاسع بين نمط حياة فرض على الغزّاويين، وآخر خاص بسكان سديروت. إضافة الى الاختلاف الجذري في مخاوف كلٍّ منهما والتفاوت في حدّة الأخطار اليومية التي يتعرّضان لها وأعداد الضحايا عند الجانبين... وهذا ما لا يمكن أن يتساوى المجتمعان على أساسه، حتى في سلسلة وثائقية تعرض على الإنترنت.
سفيان بكر في الفيلم الأول (من غزة)، هو صياد أسماك في ميناء غزة، يشكو من الحصار الذي يمنع وصول المازوت إلى المدينة، وبالتالي لا يسمح له بالذهاب في مركبه إلى عرض البحر للتصيّد، ما يقضي على مصدر رزقه الوحيد. أما مديحة أبو ندا في الفيلم الثاني، فهي مزارعة من بيت لهيا. لكنها، مهدَّدة يومياً بخطر دخول الدبّابات الإسرائيلية إلى أرضها لتخرّب المزروعات، ما سيبقيها من دون عمل ولا أرض ولا أي دعم مادي. هذا من الجهة الفلسطينية في أول عيّنتين. فماذا عن سكان سديروت؟ الفيلم الأول عن صاحب دكّان في المدينة، جاء والده إلى المنطقة منذ 50 عاماً، وهو اليوم ينقل شكاوى المواطنين ويطالب بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم من جرّاء سقوط صواريخ «القسّام» عليها. وفي الشريط الثاني، حوارٌ بين نساء في صالون لتصفيف الشعر في المدينة، حيث يشتكين من تعرِّضهن للصواريخ، ويعبّرن عن تعبهنّ من سماع صفّارات الإنذار. المطلوب إذاً، حسب arte، أن نتعاطف مع هؤلاء المواطنين جميعهم لأنهم يعانون يومياً... وهم على الرغم من المصاعب «يتمسكون بالحياة» (كما هو عنوان السلسلة).
لكن في الواقع، بإمكان المشاهد، أي مشاهد، أن يلاحظ الفرق بين هموم الطرفين وهواجسهما ومصاعبهما، ما يجعل تعاطفه مع الجانبين في الوقت نفسه غير منطقي: فالأول (صياد السمك) تسبّب له حصار فرض عليه، بوقف مدخوله وحرمانه من أبسط مقوّمات الحياة له ولعائلته، ناهيك عن خطر الموت أو الاعتقال الدائمين. لا حياة مع الحصار. لا حياة في غزة إذاً. أما في سديروت فالصواريخ تتساقط، لكن نسبة الضحايا التي سجّلت لا تقارن بعدد الضحايا الذين سقطوا ويسقطون يومياً في غزة. كما أنّ بعض الأشرطة تظهر أنّ المواطنين يحصلون على تعويضات من الدولة، وأنّ هناك، على الأقلّ، صفارات إنذار تصدح في حالات الخطر، وملاجئ مجهزة تتسع للجميع، ومتسعاً من الوقت لزيارة مصفف الشعر... الحياة مهددة في سديروت، لكنّها مستمرة.
محاولة arte التحديثية على الصعيد الإعلامي مهمة بلا شكّ. وقد كوفئ هذا المشروع أخيراً بحصوله على «جائزة أوروبا» Prix EUROPA عن فئة «أفضل مشروع أوروبي إعلامي لعام 2008» (راجع البرواز). لكن السلسلة جاءت نسخة عما يروّج له الأوروبيون أخيراً عن صورة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهي صورة تأتي غالباً ناقصة... تساوي الجلاّد بالضحية.
يمكن متابعة سلسلة «غزة / سديروت الحياة رغم كل شيء» على موقع القناة:
www.arte.tv


جائزة... أوروبية

لا يمكن لزائر موقع arte، ألا يلحظ كل تلك المظاهر الاحتفالية بمشروع «غزة / سديروت الحياة رغم كل شيء». ذلك أن السلسلة كوفئت أخيراً بحصولها على «جائزة أوروبا» Prix EUROPA عن فئة «أفضل مشروع أوروبي إعلامي لعام 2008». الجائزة التي كانت معروفة باسم Prix Futura Berlin (منذ عام 1987)، اكتسبت اسمها الجديد في عام 1997. وهي تعدّ من أقدم الجوائز في أوروبا وأضخمها، علماً بأنها تُخصص لبرامج التلفزيون والراديو ووسائل الميديا الحديثة. كما توزع هذه الجوائز عادةً في برلين، بعد أسبوع احتفالي، تتنافس خلاله الأعمال المقدمة من دول ومؤسسات إعلامية. كما تجدر الإشارة إلى أنّ موقع arte قد أطلق أخيراً مدوّنة تحمل اسم المشروع.


وجوه وخرائط