يوقّع اليوم في معرض الكتاب الفرنكوفوني روايته «حطام السماء» (مكتبة البرج)، عن قصّة شاب مؤمن بقيم بلاده، يتطوّع في حرب العراق... ليخرج بعدها كائناً جديداً
نوال العلي
«الفرنسية غنيمة حرب»، عبارة شهيرة للكاتب الجزائري كاتب ياسين. إلا أن للحرب جبهتين، وقد يقول قائل إنّ كتّاباً عرباً بالفرنسية هم أيضاً غنيمة لا يستهان بها من غنائم الفرنسيّة، وخاصة في ما يتعلق بأولئك الكتّاب العاجزين تماماً عن استخدام العربية. الروائي اللبناني رامي خليل زين (1965) ليس من هؤلاء. يجيد العربية بطلاقة، ويفضّل الكتابة بالفرنسية، لأسباب تتعلق بدراسته وسنوات عيشه الطويلة في فرنسا. «لن أكذب وأقول إنّ العربية لغتي الثقافية الأولى. لقد درست بالفرنسية الأدب المقارن وهي اللغة التي أستعملها»، لكن من دون مشاكل في الهوية ولا عقد انتماء.
سنوات الحرب الأهلية التي أمضاها هنا في منطقة «الطيونة» مجرّد ألم حيّ، لكنه ليس ناتئاً في شخصية زين الشيعي الجنوبي ابن الأقليّة الذي قضى فترة البغض الدامية تلك في المنطقة الشرقية. عيك أن تحدثه طويلاً قبل أن يخوض زين في هذه المسائل، لكنّ أثرها يغدو مفهوماً ما إن نعرف أنّه لم يكتب كلمة واحدة عن جحيم مفتوح في ذاكرته «عشت الحرب اللبنانية وما زلت أعيشها، ومَن صنعوا تلك الحرب هم القائمون على شؤوننا اليوم».
ربما لن يكتب زين عن الحرب الأهلية اللبنانية أبداً، يفضّل الكتابة عن الحرب في فلسطين، على الرغم من أنّه لا ينتمي إلى جيل الكتّاب ممن عايشوا النكبة أو النكسة. وربما بسبب ذلك، كتب زين عن فلسطين من دون توجّد وبتحدٍ ذاتي ومجتمعي وسياسي أيضاً، خائضاً في فلسطين الآن. ليس مستغرباً إذاً، أن تجد فصلاً كاملاً في روايته الأولى «تقاسم اللامنتهي» عن الحواجز أو المعابر العسكرية، الاستقواء على الضعيف وانتهاك حرمة الإنسانية. إنّها تذكّره بما عاشه في بيروت «هذه أجواؤنا، إنّها ليست غريبة علينا».
تدور أحداث الرواية حول عائلة فلسطينية يُقتل ابنها المناضل في السجن، بينما يبقى شقيقه سيف مؤمناً بالسلام. في المقابل، هناك الشقيقان الإسرائيليان، أحدهما من المستوطنين المتطرّفين والثاني من دعاة السلام. يحاول زين من خلال هذا العمل قراءة احتمالات العيش مع الآخر، متسائلاً عن هذا العدو «لو أنّنا نستطيع قراءة التاريخ السرّي للعدو، لوجدنا في حياة كل إنسان شجناً ومعاناة تكفي للتخلّي عن العدوانية».
أما في عمله الروائي الثاني «حطام السماء» (مكتبة البرج) الذي يوقّعه زين ضمن أنشطة «معرض الكتاب الفرنكوفوني» في السابعة من مساء اليوم، فيحكي زين قصة شاب أميركي يلتحق بالخدمة في الجيش في العراق بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، مؤمناً بضرورة الدفاع عن قيم بلاده. لكن هناك، سيصطدم بالواقع والحقائق التي تقوده إلى التشكيك في كل ما يعتقده وعيه الأميركي.
ما الذي يجمع عملين روائيين من هذا النوع؟ يقال عادةً إنّ الكتّاب يروون القصة نفسها، وإن ثمة ضوءاً يسيرون خلفه بلا نهاية. رامي زين يبحث في البعد الإنساني للأحداث، الإنسان الذي يقف خلف السياسة، كيف يعيش الشخص العادي الحدث الذي يصنعه السياسيون. أبطال زين هم الشخوص المتواضعون اجتماعياً، والبسطاء سياسياً، تلك الجموع التي يمكن تضليلها بسهولة. يمكن وصف أسلوبه الروائي بالكلاسيكي تقريباً، أستاذ الأدب في الجامعة اليسوعية لا يحبّ «إزعاج القارئ»، ويرى أنّ الحداثة الحقيقية اليوم «تكمن في التمسّك ببناء متواضع والكدّ من أجل الكتابة».
ربما يغدو مفهوماً معنى الكدّ من أجل الكتابة لدى رامي زين، وقد أمضى سبعة أعوام متنقّلاً من مكتبة إلى أخرى، لإنهاء عمله «مختارت من الشعر اللبناني»، الذي ضمّنه 134 كاتباً لبنانياً باللغة الفرنسية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد جمعهم وقدّم تحليلاً وعرضاً لسيرهم الذاتية. فالسنوات تمرّ ونسيان هؤلاء الشعراء قد يصير أمراً مفروغاً منه إذا لم يبادر أحد إلى مهمة التوثيق هذه.
إذاً، يكتب اللبناني زين بالفرنسية عن القصة الفلسطينية والإسرائيلية مرةً، وعن الحدوتة الأميركية والعراقية في أخرى. أليس للعالم الجديد شكلٌ معقّد تقدّمه الكتابة الجديدة المعولمة؟