ألبومه مشبَع بروح الجاز ويحمل بصمات مؤلف كلاسيكي

بالأمس زار بلده موسيقيّاً من «الدرجة الثانية»، واليوم يعود فناناً مكتملاً. تنهل تجربته من الموسيقى الشرقية بمختلف روافدها، وقد تشبّعت من الأنماط الموسيقية العريقة والحديثة في منشأه الفرنسي. كل ذلك منحه حسّاً تعبيرياً خاصاً، يستعصي على التصنيف. حفلته البيروتيّة غداً في الـ«ميوزيكهول»

بشير صفير
أسابيع قليلة مرّت على آخر نشاطٍ لـ«ليبان جاز»، عندما حلّ موسيقي الجاز أريك تروفاز ضيفاً للمرة الثالثة على لبنان ليقدّم مشروعه الهندي إلى جانب عازف البيانو مالكوام براف. وها هو كريم غطّاس (مؤسس «ليبان جاز»)، يدعو مجدَّداً، مساء الغد، محبّي الجاز الحديث إلى نادي «ميوزيكهول» إلى موعد مع عازف الترومبيت اللبناني إبراهيم معلوف إلى جانب فرقته «دياسبورا سكستت» (سداسيّ دياسبورا).
معلوف الذي يعيش في فرنسا، يزور لبنان بعد أربع سنوات من إطلالته الأولى على الجمهور اللبناني، يوم شارك ضيفاً إلى جانب عازف الساكسوفون وأحد أبرز رموز الجاز الحرّ آرتشي شَب، في الحفلة التي قدّمها الأخير في منطقة ذوق مكايل ضمن «ليبان جاز» أيضاً. زيارة معلوف الثانية إلى بيروت تختلف عن احتكاكه الأول بجمهور بلده الأم. بعدما أُلحق سابقاً بالمهرجان كموسيقي من «الدرجة الثانية»، يعود إليه اليوم كفنّان مكتمل، ترافقه فرقته الخاصة لتقديم حفلة تتمحور حول ألبومه الأول الذي صدر مطلع هذه السنة بعنوان «دياسبورا» (شتات). وكان الموسيقي اللبناني الشاب قد لبى ـــ بُعَيْد عدوان تموز ـــ دعوة كريم غطّاس للمشاركة في Concert en blanc، الحفلة التضامنية التي نظمها في باريس (تياتر دو رومبوان ـــ 5 أيلول/ سبتمبر 2006)، دعماً للبنان القابع تحت الدمار الذي خلّفه العدو الإسرائيلي.
ولد إبراهيم معلوف في بيروت عام 1980، وانتقل مع أهله إلى فرنسا هرباً من الحرب الأهلية. بدأ صغيراً تعلُّم الموسيقى والعزف على الترومبيت مع والده نسيم معلوف، قبل أن يتابع دراسته في المعهد الموسيقي في باريس. حاز خلال الدراسة وبعدها منحاً وجوائز موسيقية عالمية عدة، وورث خطّه الموسيقي العريض عن والده. هكذا قامت تجربته على التوجه إلى الترومبيت الشرقية، تلك آلة التي ابتكرها معلوف الأب أواخر الستينيات، انطلاقاً من إجراء تعديل طفيف على الترومبيت العادية (إضافة مفتاح رابع) بحيث تتيح استصدار أرباع الأصوات منها.
اتّصال إبراهيم معلوف بالموسيقى الشرقية على مختلف أنواعها (التراثية والدينية والطربية والفولكلورية) من جهة، ونشوؤه في البيئة الفرنسية الغنية بالثقافة الفنية وبالأنماط الموسيقية العريقة والحديثة (الموسيقى الكلاسيكية القديمة والحديثة، الجاز، الموسيقى الإلكترونية،...) من جهة أخرى صهرا عنده حسّاً تعبيرياً خاصاً يفلت من التصنيف النمطي الواضح. ونقصد بهذا الوصف الأعمال المكتوبة الواردة في ألبوم معلوف الوحيد، وليس التقاسيم (الشرقية بامتياز) التي تولاها العود والقانون وكذلك الترومبيت في «دياسبورا». في هذا الألبوم، يوظّف معلوف علاقته بمدارس الموسيقى الكلاسيكية القديمة، من خلال تمكّنه التقني الكلي من آلته. ذلك أنّ أداء أعمالٍ من ريبرتوار هذه الموسيقى يهذب العازف لشدّة صرامة تنفيذ جملها المدوَّنة وصعوبته. كذلك يوظّف إلمامه بالجاز من خلال الارتجال والعودة إلى كلاسيكيات هذه الموسيقى من طريق إعداد مقطوعة لعازف الترومبيت ديزي غيلّسبي (أحد أبرز رموز الجاز في التاريخ). وهذا بديهي إذا راجعنا الارتباط الوثيق لآلة الترومبيت بالجاز. أمّا علاقته بالحداثة والتجريبية فتتخذ شكلَيْن: الموسيقى الإلكترونية (التي دخلت إلى كل الأشكال الموسيقية) والصوت الحي أو ما يُعرف بموسيقى الواقع القائمة على أصوات مسجّلة من حركة الحياة اليومية. وفي ما يخص الموسيقى الشرقية، هناك ربع الصوت الصادر من آلة لم نعتد منها هذه النبرة. لذا تبدو غريبة (نكاد نقول نافرةً) في الأداء المنفرد. وهنا ـــــ علماً أنّ من المبكر الدخول في هذا السجال ـــــ يجب طرح السؤال التالي: هل آلة الترومبيت (أو غيرها من الآلات الغربية التي سبقتها أو لحقت بها إلى ربع الصوت) غير قادرة (اليوم أو بالمطلق؟) على اعتلاء منبر الموسيقى الشرقية منفردة كالعود والقانون والناي، وبالتالي يجب على استخدامها «الشرقي» أن يكون إما ضمن مزيج صوتي بهدف إغناء نسيجه، أو من خلال مداخلات هامشية ضمن أداء فرقة. علماً بأنّ زياد الرحباني تنبّه بذكاء إلى هذا الأمر، أمّا المستقبل فمفتوح على كل الاحتمالات.
قبل إقدامه على الاستقلالية في تجربته الموسيقية، شارك إبراهيم معلوف عازفاً إلى جانب أسماء بارزة في عالم الموسيقى ومتفاوتة التقارب من حيث النمط (مارسيل خليفة، توفيق فرّوخ، ستينغ، لاسا، آرتشي شب، وغيرهم). وتأتي حفلته البيروتية غداً ضمن جولة عالمية يقوم بها مع فرقته لتقديم ألبومه الذي يوثّق فيه تجربة فنّان يلامس انفتاحه حدود القارة السوداء وآسيا الوسطى، مروراً بكل ما ذكرنا، لكنه يكشف عن لمسات مؤلف كلاسيكي، في جمله المكتوبة كما في ما يضيفه عليها من تلاوين طفيفة، كما يعرّي مرتجلاً لا يزال عوده طرياً في لعبة التعبير الآني عن الأحاسيس الموسيقية (علماً أنّ لديه موهبة واعدة في المجالين).


8:00 مساء غد الأحد: «ميوزيكهول» (ستاركو) ـــ للاستعلام: 03/807555
www.libanjazz.com
www.ibrahimmaalouf.com