ناشرون يفتحون النار على إدارة المعرضحسين بن حمزة
مع كل دورة جديدة لمعرض «بيروت العربي الدولي للكتاب»، تُطرح الأسئلة والملاحظات ذاتها تقريباً. نودّع دورةً ونستقبل أخرى، والحال على حاله. الناشرون لا يكفّون عن مطالبهم وتذمراتهم من الصيغة المكرورة التي يُنظم بها المعرض، لكنهم ـــ رغم ذلك ـــ لا يكفّون عن مشاركتهم المتواصلة والدؤوبة فيه. ما سر هذا المعرض الذي يتفق الجميع على أنّه يحتاج إلى «نفضة» كاملة، لكننا ننتظره باعتباره الموعد الأساسي والأهم في مفكرتنا الثقافية السنوية؟
دورة هذا العام لا تشذَّ عن سابقاتها. هذه هي حصيلة ما خرجنا به من جولتنا على عدد من الناشرين.
البداية مع رياض نجيب الريس (شركة رياض الريس للكتب والنشر) الذي يُعيد أهمية معرض بيروت إلى صيت المدينة، وتاريخها الفريد كعاصمة للثقافة والنشر.
«معرض بيروت بكل مساوئه هو أفضل معارض الكتب العربية»، يقول الكاتب والناشر السوري الذي اختار بيروت مستقراً لنشاطه منذ قرر الانتقال من لندن عام 1989. لكن لماذا لا تزال بيروت تحتفظ بهذا البريق في ظل منافسة متصاعدة من معارض عربية أخرى؟ يحدد الريس ثلاثة أسباب: «الأول هو حرية انتقال الكتاب العربي ووصوله إلى القارئ، إذْ لا توجد رقابة كالتي تتحكم في الكتب في العواصم العربية الأخرى. الثاني هو حرية الكاتب العربي نفسه في الوصول إلى بيروت، حيث يلتقي زملاء له، ويجد مناخاً ثقافياً مفقوداً في بلده. أما السبب الثالث، فهو أن معرض بيروت يمثل مقصداً للقارئ العربي وأصحاب المكتبات والموزعين العرب الذين يحصلون ــــ من دون أية عوائق ــــ على كل العناوين والإصدارات التي يريدونها. المعرض هو سوق أساسي لانتشار الكتاب الجديد في عواصم عربية أخرىالريس الذي اختبر سوق الكتاب عبر مشاركته في عدد من معارض الكتب العربية، لا يُنكر نسبة المبيعات الجيدة التي تسجلها الكتب في هذا البلد العربي أو ذاك، لكن البيع ــــ رغم أهميته المادية ــــ لا يختصر عمل دور النشر ولا يختزل معنى الكتاب لدى الناشر والقارئ. نجاح الناشر لا يُستنتج من البورصة الرقمية لمبيعاته فقط. ما يميز بيروت هو التاريخ الطويل والمتنوع من التراكم الثقافي والإبداعي الذي تطفو على سطحه حركة الكتابة والنشر.
إصرار الريس على أهمية المعرض، يُقابله نقد للجهة المنظمة التي «تُدير المعرض بعقلية صاحب الدكان الذي لا تهمّه الثقافة، ولا الدور الحاسم الذي يؤدّيه المنتَج الثقافي في رسم صورة المجتمع ككل. المنظمون يهمّهم أن يحصلوا على إيرادات تكفل لهم الاستمرارية. المعرض هو الدخل الأساسي للمنظمين الذين لا يعرفون شيئاً عن عالم الكتابة واتجاهات النشر. ولذلك، فإن كلفة حجز جناح في معرض بيروت أعلى من كلفته في معرض
فرانكفورت».
رنا إدريس (دار الآداب) تشارك الريس نظرته الإيجابيّة إلى المعرض. وهي تقرُّ بدورها بالتطور الذي حققته بعض المعارض العربية، لكنها لا تجد في ذلك تهديداً مباشراً لمعرض لبيروت: «تطور المعارض العربية يُسعدنا كناشرين، وهو أمر صحي وضروري، لكن لماذا ينبغي لهذا أن يحدث على حساب بيروت؟ ولماذا ينظر إليه بعضهم كتهديد مباشر لنا؟». نقول لها إن ثمة كلاماً كثيراً عن «احتضار» معرض بيروت في ظل انعدام أي محاولة لتجديده ورفده بأفكار، واقتراحات تعزِّز حضوره ومكانته بغض النظر عن مقارنته بغيره من المعارض العربية؟ تقول ابنة الكاتب الناشر الكبير الراحل سهيل إدريس: «أعتقد أنّ «احتضار» كلمة قاسية وغير واقعية. نحن ننظر إلى المعرض كعرس للكتاب، وليس مأتماً لتلقّي التعازي. ربما يتهمنا بعضهم بالإفراط في التفاؤل، لكننا نستند إلى رصيد قوي يتمثّل في تاريخ دار «الآداب» ومشروعها الثقافي ورمزيتها في وجدان القارئ اللبناني والعربي».
وتشير إدريس إلى دور «الظروف السياسية والأمنية المؤاتية» هذا العام في رفع منسوب تفاؤلها حيال كثافة الإقبال على المعرض، وحركة المبيع والاحتفاء بالإصدارات الجديدة: «غامرنا هذا العام بتسعة أسماء جديدة، فيما كنا نجازف عادةً بإسم أو اثنين لا أكثر».
ماذا عن الصيغة المكرورة التي يُنظَّم بها المعرض؟ ألم يَحِن الوقت لرفد عميد المعارض العربية بدماء جديدة على صعيد البرامج الموازية ونوعية الضيوف والندوات؟
تجيب رنا: «لقد تعبنا من المطالبة بتطوير المعرض، وإنشاء هيكلية متماسكة قادرة على ابتكار مقترحات جذابة ومميزة، فنحن لم نلقَ أي تجاوب... لكن رغم كل الملاحظات، فهذا الموعد البيروتي يمتلك حيوية لا تجدها في معارض أخرى». من أين تأتي هذه الحيوية؟
«إنّها نابعة من الناشرين اللبنانيين أنفسهم، وهي صفة تجعلهم غير محتاجين إلى إضافات جانبية لضمان نجاح معرضهم. معرضنا له مذاقٌ مختلف ومكانة خاصة، مثله مثل بيروت التي تعرف كيف تعيش وتتجدد رغم كل مصائبها. التطوير مطلوب، ولكن الإصدارات الجديدة والمتميزة كافية في رأيي لإنجاح الحدث البيروتي. المعرض هو موسم تدشين الكتب الجديدة التي ستذهب لاحقاً إلى العواصم العربية الأخرى. النشاطات الإضافية ـــ رغم أهميتها ــــ لن تغيِّر من حقيقة هذه الصورة».
أما حسن ياغي (المركز الثقافي العربي)، فله موقف أكثر نقديّةً: «المعرض لا يؤدي دوره كموعد نربّي فيه القارئ ونرشده إلى العناوين الجيدة. المعرض يكتفي يعرضها فقط، أما الباقي، فيقع على عاتق الناشرين».
لا يعفي ياغي الصحافة أيضاً من المسؤولية، فهي ــــ برأيه ــــ لا تؤدّي الدور المطلوب في تقديم الكتاب الجيد للقارئ: «هناك عناوين مميزة غالباً ما تُعامل على سويّة واحدة مع العناوين العادية. هكذا، فإن المعرض يفشل في أداء وظيفته كمناسبة لتقويم ما يقدمه الناشرون، ويتحول إلى حفلة توقيعات تسهم فيها العلاقات الشخصية للكاتب بتسجيل أرقام مبيعات وهمية».
من جهة ثانية، يشير ياغي إلى «أنّ بقاء صيغة المعرض كما هي، يؤكد أن إمكانات إدارته على تطويره معدومة»، ويطالب وزارة الثقافة والدولة بتقديم الدعم المطلوب، وخصوصاً أنّ بيروت ستكون عاصمة دولية للكتاب في 2009. هل يوافق على أن الكتاب العربي يعيش حالة «احتضار»؟ نسأله: «هناك قسوة ومبالغة في هذه الكلمة، ولكن ثمة إشارات عدة تثبت ذلك. باستطاعة أي متابع أن يلاحظ عدم وجود إنتاج أدبي وثقافي عربي قادر على اجتذاب القارئ».
ويضيف ياغي: «هناك أجناس مثل الفلسفة والنقد والفكر السياسي والتحليل النفسي لا يُنجز فيها العرب شيئاً مهماً. لدينا شعر وروايات. القارئ العربي، واللبناني خصوصاً، يحتضر بطريقة ما. إنّه يتقدّم في السن، ولا يلقى تعزيزات شبابية جديدة. هناك أجيال شابة تقرأ بالطبع، لكنّ مشكلتنا في لبنان أنّ الشبان لا يقرأون، وإذا فعلوا لا يقرأون بالعربية».
أخيراً، يضيف ياغي إنّ المشاركة في معرض بيروت هي لإثبات الوجود: «النسبة الأكبر من مبيعاتنا تتحقّق في المغرب والسعودية، حيث نبيع عشرة أضعاف ما نبيع هنا».
في «المؤسسة العربية للدراسات والنشر»، يركِّز حسن فوعاني ــــ أيضاً ــــ هجومه على الجهة المنظمة: «تحول النادي الثقافي العربي من جهة يُفترض أنّ لها علاقة عضوية بالثقافة... إلى جهة محض إدارية. المعرض صار ذا طابع تجاري. الغريب أنّ النادي لا يستخدم تاريخه الطويل، وعلاقاته العربية والدولية في تطوير المعرض».
ويطالب فوعاني «الدولة المستقيلة من العمل الثقافي بتوفير الدعم المطلوب منها». ويشير إلى «كثرة المعارض المحلية ودورها في إضعاف معرض بيروت الذي يمثّل الوجه الثقافي للبلد. هناك جهات حوَّلت الكتاب إلى منافسة مناطقية وسياسية».
في المقابل، يشير فوعاني إلى الأهمية الرمزية لمعرض بيروت: «البلد معروف بمساحة الحرية والتعبير الواسعة فيه. لا نستطيع فصل هذا المعنى عن هذا الحدث الثقافي السنوي. لدينا ــــ مثل غيرنا ــــ ملاحظات واقتراحات لا تلقى آذاناً مصغية، لكننا مواظبون على المشاركة لأن الغياب هو ضربٌ لأحد أساسيات العمل الثقافي. المعرض في النهاية هو الوجه الثقافي للبلد. لا يعبِّر لا عن النادي ولا عن الدولة. إنه فعلٌ ثقافي أولاً وأخيراً».
إذا كان اسم بيروت كعاصمة للنشر العربي، ومختبر للكتابة، لا يزال يمنح معرضها معنى رمزياً عابراً للعوائق والسلبيات المثارة حوله، فإن السؤال المطروح هو: هل ننام على حرير؟ نعم، هناك تاريخ طويل، وتقاليد عريقة، ونوعية نشر متقدمة، وعناوين طليعية... هذا صحيح، لكننا لم نعد وحدنا.
المنافسة شرسة، والريادة ـــ كما علّمنا التاريخ ـــ ليست رصيداً أبدياً.


عناوين مغاربيّة

للصغار أيضاً

مواعيد ونشاطات مميزة هذه السنة خاصّة بالصغار، أبرزها كتب سماح إدريس «حين قرر أبي» («الآداب»، التوقيع: 7/ 12، س 4)، وفادية حطيط «حُلمي، وصبي كبير» («أصالة»: 3/ 12، س 4)، ومي شبقلو «حكايات للحروف» («ناشرون»: 5/ 12، س 4،00). ولفاطمة شرف الدين كتابان: الأول وضعته مع كنده الحسن وهبة فرّان بعنوان «ماذا لو!...» («أصالة»: 6/ 12، س 4)، والثاني بتوقيع ثمار حلواني وعنوانه «أنا وكريم» («أصالة»: 6/ 12، س 5). ويعود الشاعر حسن العبدالله إلى قرّائه الصغار في كتاب بعنوان «فرح» («الساقي»: 5/ 1، س 6).
هناك أيضاً تجربة خاصة بالفرنسيّة، تحمل توقيع رشا الأمير (تأليف)، ودانيال قطّار (رسوم)، ورندا عبد الباقي (الإخراج الفنّي). الكتاب بعنوان «البلد الصغير» («دار الجديد»: 4/ 12، س 5). وهناك مواعيد مهمة، في جناح «أصالة»، كورشة عمل موسيقية للأطفال تديرها كنده الحسن (10/ 12، س 4)، ونشاط توجيهي لندى معتوق شلهوب (29/ 11، س 10:30)