نوال العليرجل مقيد بسروال نسائي وردي، امرأة تحشر يدها في فمها، جسد مختنق في شرنقة من لحم ودم، بشر بأجساد ملفّقة، متوحدون، ومتوحشون أحياناً، آني كوركدجيان أمسكت كل هؤلاء في لحظة غير مناسبة، فلم تفوّت الفرصة، رسمتها على الفور. هناك من وصف شخصياتها بالضحايا. إذ لا تكتفي التشكيلية الشابّة (1972) بتعرية الأجساد، بل تُعمِل ريشتها لتخلق نسبيّة من نوع خاص، تبرز الامتلاء والبدانة والفظاظة الجسدية، غير مبالية بمنحها ملامح جمالية... بل تعرّي أفكارها أيضاً لتقدم صورة حيّة للجسد الحيوان ولحيوانية النفس في انطباعها عن الجسد الذي تسكنه، مرة نراه بقرة أو ثوراً ومرة إنساناً برأس تنبثق منه أذرع الأخطبوط. ربما لذلك تشعر ما إن ترى اللوحات أنّ عنوان «حماقات» للمعرض المقام في «زيكو هاوس» تسمية ملائمة. كوركدجيان لا ترحم، إذ تنطوي «حماقات» على انفعالات تميل إلى العبثية والتهكم والعدوانية وأحياناً الطفولة. أوقعت الفنانة هؤلاء المساكين في شر حماقاتهم وسخرت منهم حتى أشبعت اللوحة.
أما عملها «شقيقات الروح» الذي اختارته ليتصدر بطاقة الدعوات فهو ببساطة «رائعة» المعرض الذي ضمّ 30 لوحة متفاوتة الأحجام: هنا يظهر رجل بالأسود يحمل جسداً عارياً أو لنقل جسداً مسلوخاً، ومجرد امتلاء بشع له شكل بقرة. أحياناً، يبدو كأنّه يرقص التانغو مع بقرته، وأحياناً كمن أُمسك متلبّساً بسرقة هذه البقرة المسمّنة. ليس ثمة قوة في ملامحه، على العكس، البلاهة بادية مشوبة بحزن. الألوان فيها هي الباستيل على الورق، وتختار كوركدجيان منها الأحمر والوردي خلفية موفقّة وعنيفة.
في المعرض أيضاً لوحات تحمل أفكاراً مفزعة: ترسم آني (بالإكريليك والباستيل) أماً تضم طفلاً، وفيما هو يتمسك بحضنها، تظهر عيناه أقسى ما فيه وهو يلف ذراعه حول ظهرها لتدمي أظافر يديه عينَها وتخدش وجنتها. الأصفر والبرتقالي كانا أساساً للعمل، والمرأة تظهر مجلببة بعباءة وقمطة سوداء. يلفت الانتباه رسم المرأة في أكثر من عمل بعباءة سوداء محجبة من رأسها حتى أخمص قدميها، مثل تلك اللوحة التي تحيط فيها امرأتان برجل يشد حافة سرواله الداخلي ويسترق النظر هو ونساؤه لما يخفي تحته. المشهد نفسه سيتكرر في لوحات أخرى، الغالبية يرغبون في إفشاء أعضائهم الجنسية للملأ، لكن شيئاً ما يمنعهم، يشدون سراويلهم من دون خلعها، رغبة في تشاطر خفاء الفرجة وإخراجها للعلن، عمل قامت به الفنانة نيابة عنهم، ففضحت أفعالاً هي عاداتٌ سريّة في أساسها. التشويه والتنكيل بالجسد سمة لم تفارق أعمال كوركدجيان منذ معرضها الأول (2005). ربما لا يغدو ذلك مستغرباً إذا عرفنا أنها حائزة إجازة في التحليل النفسي، فلوحاتها تجسد مرضى يشوهون أنفسهم، كشخص يشد شفته حتى يمزقها... شخصيّات تبرز الفنانة بنيتها التي تميل لتحطيم نفسها مستخدمة جسدها مكاناً متاحاً للأذى.

حتى 23 الحالي ــــ «زيكو هاوس» (بيروت): 03/614355