أكثر من انتصار حقّقته السينما المستقلّة أخيراً في مصر، من اعتراف المهرجانات التقليديّة بها إلى تراجع الرقابة، مروراً بنجاح الدورة الثانية من مهرجانها
القاهرة ــــ محمد خير
ليس غريباً أنّ أبرز صنّاع السينما المستقلّة في مصر ــــ وغالبيتهم من الشباب ــــ حقّقوا أخيراً أكثر من «انتصار»، بكل ما تحمله الكلمة من معان إيجابية. وذلك لا يقتصر على الجائزة المهمّة التي كانت من نصيب «بصرة»، فيلم أحمد رشوان ـــــ أفضل سيناريو لمسابقة الفيلم العربي في «مهرجان القاهرة السينمائي» ـــــ وليس فقط «هزيمة» الرقابة في معركة فيلم «عين شمس»، الحائز جوائز «روتردام» و«قرطاج». إذ انتهت المعركة بقرار عرض الفيلم في مصر باعتباره مصرياً لا مغربياً (نسبة إلى إحدى جهات إنتاجه). السابقة هنا أنّه لم يحصل على تصريح مسبق أو موافقة رقابية على السيناريو، ثم حصول شركة «العربية» على حق توزيعه، وهي أحد قطبي التوزيع في السوق المصرية... وكل ذلك يمثّل أيضاً اعترافاً «تجارياً» بقدرة السينما المستقلة على احتلال حيّز وسط «وحوش» الإيرادات.
وكل ما سبق توّج بنجاح الدورة الثانية من «مهرجان القاهرة للسينما المستقلة» الذي اختتم أخيراً. واجه المهرجان عراقيل رسمية وشبه رسمية، وما زال ينتظر ترخيصاً من «لجنة المهرجانات» في وزارة الثقافة، لكنّه تجاوز العوائق البيروقراطية، إذ «تظاهر» بأنّه مجرد احتفالية للسينما! لكنّه عرض 47 فيلماً مستقلاً من مختلف أنحاء العالم، بما فيها أبرز الأفلام المصرية (22) على مدار ثلاثة أيام، واختتمت الفعاليات بإعلان رئيس المهرجان محمد عبد الفتاح «تنحّيه» عن منصبه لمصلحة اللبنانية رشا سلطي.
النجاح تبدّى منذ اليوم الأول. الازدحام دفع المنظّمين إلى إقامة عرضين لفيلم الافتتاح «عين شمس» لإبراهيم البطوط الذي خاض تجربة طويلة مع العمل الوثائقي، ما اعتبر تكريساً لهذا الفيلم المتميّز الذي كتبه بالاشتراك مع تامر السعيد، ويشير عنوانه إلى أحد أحياء القاهرة الشعبية. يقوم الفيلم على مزج بارع بين الروائي والوثائقي، وعلى إدارة جيدة لممثّلين أتى معظمهم من السينما المستقلة، والحكاية مقطع عرضي ـــــ وحزين ـــــ من حياة سائق تاكسي (رمضان خاطر) وزوجته (حنان يوسف) اللذين يفاجآن بإصابة ابنتهما شمس بالسرطان. البنت التي كانت أكبر أمنياتها الحصول على «فسحة» وسط البلد، تصبح معادلاً درامياً لكلّ انكسار يلحق بأحلام هذه الأسرة البسيطة، ودافعاً لبذل جهد يائس ومتأخر. أما محل سكنهما عين شمس التي «تعوم على بحر من الآثار»، فهو معادل آخر ـــــ غير زاعق ـــــ لمصر المنسوجة برهافة في شريط ينتهج سرداً لا يلتزم بإيقاع تقليدي.
الروح الشعبية لعين شمس، تختلف عن «عشوائية» الحواري في «الحب في زمن الكولّة» لإبراهيم عبلة. و«الكولّة» هو أحد أردأ المخدرات التي يتناولها أطفال الشوارع المصريون. وعنوان الفيلم إحالة ساخرة إلى رواية ماركيز الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا». على مدى 11 دقيقة، نتابع محاولات سائق سيّارة «توك توك» ممارسة جنس غير تقليدي بالمرّة من خلال سيناريو مشوّق لأحمد العايدي.
ازدحام اليوم الأوّل تكرّر في اليوم الأخير الذي اختتم بشريط نادية كامل «سلطة بلدي». الفيلم ـــــ كما أصبح معروفاً ـــــ يناقش رحلة عائلة مصرية من أصل يهودي لزيارة أقربائها في إيطاليا أولاً، ثم في... إسرائيل. وتذهب كامل بالأمور إلى مداها، فتجعلنا نرى صوراً لأبناء الأقارب في زيّ الجيش الإسرائيلي، بينما المسنّون منهم يرتدون الطاقية اليهودية ويستمعون إلى أمّ كلثوم! إشكاليّة لم تصنعها المخرجة المصرية بل الواقع نفسه، ما يعني أيضاً أنّ ذلك الواقع ذاته قادر على حصر تلك الحالة في خصوصيتها العائلية، لا أكثر. عموماً، صنعت كامل فيلماً جيداً على المستوى الفنّي، وكان مفارقاً أنّ المصوّرة رندا شعث التي ظهرت في الشريط بوصفها أحد أفراد عائلة كامل، كانت بطلة فيلم آخر حمل اسمها هو «رندا» للسودانية مروى زين. استطاعت هذه الأخيرة أن تقدّم بحساسيّة عالم هذه المصوّرة الفلسطينية ـــــ المصرية، مستخدمةً مفردات تجربتها وصورها ببراعة أضفت جماليّة وحيوية على الشريط الوثائقي.