سناء الخوريالجنس، الفنّ، والدين، محاورُ ثلاثة بنى عليها جون أبدايك مسيرته الأدبيّة الطويلة في أكثر من 60 عملاً بين الرواية والأعمال النقديّة، والمقالات الصحافيّة، قبل أن يرحل أمس عن 76 عاماً. الأديب الأميركي الذي توفي بعد صراعٍ مع سرطان الرئة، فاز بجائزة الـ«بوليتزر» التي تمنح لأفضل الإنتاجات الروائيّة والدراميّة والصحافيّة في الولايات المتحدة. مرتين عن روايتي «رابيت غنيّاً» (1981) و«رابيت يرتاح» (1991) وهما الجزءان الثالث والرابع من خماسيّته الشهيرة Rabbit.
شكّلت حياة البرجوازيّة البروتستانتيّة الأميركية، بتناقضاتها وأحلامها وأوهامها، الموضوع الرئيس لروايات أبدايك، الذي ولد في إحدى القرى الصغيرة في بنسلفانيا في 18 آذار (مارس) 1932. الولد الوحيد لأبويه، والطفل المتفوّق في المدرسة، بدأ حياته المهنيّة صحافياً في إحدى جرائد بلدته، ثمّ ترأس تحرير مجلّة جامعة «هارفارد» حيث درس الأدب. بعد تخرّجه من هارفارد درس الفنون الجميلة في «أوكسفورد»، وبدأ مسيرته الإبداعيّة في مجال رسم الكاريكاتور، لكنّه امتهن الكتابة في الشعر والرواية والنقد والصحافة. حصدت روايته «أزواج» عام 1968 نجاحاً باهراً، بما تضمّنته من وصفٍ مثير للحياة الزوجيّة الأميركيّة، ثمّ توالت النجاحات مع «الكأس» (1979)، لكنّه بلغ التكريس الفعلي مع روايته Rabbit runs، وبطلها رابيت أنغستروم الرجل العشريني الذي يترك زوجته الحامل. تحوّلت السلسلة إلى أسطورة أدبيّة، فألهمت فيلماً سينمائيّاً بتوقيع المخرج جاك سمايت. لاحق الأديب في هذه السلسلة قصّة حياة الرياضيّ الوسيم منذ طفولته وصولاً إلى ذروته الجنسيّة والاجتماعيّة، مروراً بمراحل حياته المختلفة، وصولاً إلى سقوطه الأخير. فضلاً عن نجاح هذه السلسة، كتب أبدايك ثلاثيّة Bech التي تتضمّن جزءاً كبيراً من سيرته الخاصّة.
ومن أعماله المعروفة «المزرعة» (1965)، وThe Maples (1979)، «عشيقة القديس أوغسطينوس وقصص أخرى» (1994)، و«ستبحث عن وجهي» (2002) الذي يظهر فيه إلمامه بالفن التشكيلي إذ يتمحور نصّه حول أعمال جاكسون بولوك وأندي وارهول. وآخر رواياته تعود إلى عام 2006، جاءت بعنوان «الإرهابي» وفيها رصد المجتمع الأميركي في لحظة ذعر وحالة تفتت وانهيار بعد أحداث سبتمبر 2001. نوّع في أعماله بين القصّة والرواية والشعر والنقد والمذكرات، واحتل موقع الصدارة في الساحة الأدبيّة الأميركيّة، حيث اعتبر أدبه معبّراً عن مناخات وعوالم المدن الصغرى في الولايات المتحدة وشكّل المجتمع الأميركي المحور الرئيس لكتاباته المتسمة بالنقد اللاذع للحياة اليوميّة التي يراها حوله، لأسلوب العيش، معتمداً أسلوباً أدبيّاً يتّسم بالسهولة والدقّة في وصف العوالم الداخلية والقيم الإنسانيّة. لكنّه لم يكن ليحقق الإجماع في الأوساط الأدبيّة، فقد انتقده الكاتب نورمان مايلر مراراً ــــ كما يذكّر موقع الـ«نيويورك تايمز» ـــــ معتبراً أنّه «من ذلك النوع من الكتاب الذين يعجب بهم قرّاء لا يفقهون شيئاً في الكتابة».