![](/sites/default/files/old/images/p18_20090121_pic1.jpg)
ما هي المناهج المختلفة التي يتبعها المخطّطون المعماريون لتجاوز واقع القاهرة الكابوسي؟ من أين جاءت فكرة الهروب إلى مدن الحلم الانعزالي في قلب الصحراء؟ كيف تنعكس المدينة في الأعمال الفنيّة الحديثة؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحها أخيراً سيمبوزيوم «خريطة10»
دينا حشمت
«إيتوبيا»، «غاردينيا»، «بيفرلي هيلز»، «دريم لاند»... أسماء أريدَ لها أن تعبّر عن حلم السعادة المستعار من نموذج الضواحي الأميركية المنعزلة؛ أسماء اختارها مصمّمو الكتل العمرانية المسوّرة التي نشأت بسرعة فائقة حول القاهرة، غريبةً كل الغرابة عن الصحراء المحيطة، وبعيدةً كل البعد عن «المدينة الكبيرة» الصاخبة. قد يكون هذا التطور الأكثر إثارة للتعجّب حين يتساءل المرء عن مستقبل العاصمة المصرية.
وكان من الطبيعي أن يحتلّ هذا التطوّر حصة الأسد في مداخلات المشاركين في حلقتي النقاش حول «لحظة بناء المدن الجديدة»، ضمن سيمبوزيوم «خريطة 10» الذي اختُتم أخيراً في مسرح «روابط» في القاهرة. لحظة أتت من عمق الإرث الاستعماري، كما أكّدت ماريون ڤون أوستن في مداخلة عن تأثير الاستعمار على الفصل بين فضاءات عمرانية وأخرى. وقد شدّدت على أنّ انعزال النخب في مدن الصحراء هي عملية عكسية لما كان يحدث في الماضي، حين كانت النخب أحياناً تُسكن العمّال في مدن مسوّرة، تُغلق تماماً خلال فترات الاحتجاج العمّالية في الإمبراطورية الألمانية مثلاً.
![](/sites/default/files/old/images/p18_20090121_pic1.jpg)
وعلى نقيض الـ«ماكيت» التي عرضها القشطة لشارع في وسط المدينة الجديد المخصّص للمشاة، اعتنق مروان فايد منهجاً تجريبياً يقوم على «التفاعل بين السكان والمخطّط المعماري» للإفادة من قدرتهم على الإبداع. يسمح منهج فايد بعدم فرض نماذج عمرانيّة غريبة على «المشهد الثقافي والاجتماعي» و«السلوك العام». ورغم أنّ الجمهور ضحك كثيراً من أفكاره الابتكاريّة، مثل كيفية تطوير محطة الأوتوبيس كي تتناسب مع سلوك المواطن القاهري الذي يتجاهلها ليركّز على حركة أوتوبيس نادراً ما يقف «بالضبط» أمام المحطة، فإن منهج فايد أثار نقاشاً مثمراً، فيما رأى فيه بعضهم منهجاً «نسبياً وانهزامياً» يحوّل التخطيط المعماري إلى عِلم التأقلم مع واقع المدينة الفوضوي الكابوسي.
لكن إلى جانب الملاحظة اليقظة للواقع الاجتماعي والثقافي، والاقتصادي أيضاً، الذي لم يتحدّث عنه فايد، يحتاج المخطّط إلى عدد من «المعايير والقواعد» ليسهم في خلق أماكن أفضل للحياة، وفق رأي جوزيف شكللا، منسّق شبكة Habitat. وقد أشار هذا الأخير إلى مطلب «الحق في المدينة»، وهو مطلب ابتدعته الحركات الاجتماعية في أميركا اللاتينية. إذ إنّ متعة «التسكّع» ليست متوافرة للجميع في مدن تخترقها الحواجز الطبقية... مدن يتحوّل فيها «وسط المدينة» إلى شوارع تجارية فخمة مخصّصة للمشاة. ما أعطى أيضاً الطابع الخاصّ للسمبوزيوم هو إدخال منظمّيه (بيري ــــ سنتر بروجكتس، شهيرة عيسى، ملك حلمي، نيدا غوس) أعمالاً فنية ضمن فعالياته. هكذا، عرضت أجليا كونراد «فيديو» صورت فيه عمارات في مختلف مدن الصحراء المحيطة بالقاهرة، ظهرت كواجهات تعبّر عن مدن تبدو خالية، في متتالية عمارات لامتناهية. تُشرك صاحبة الفيديو المتفرج في نظرتها الخارجية إلى مشهد يبدو فيه الإنسان كائناً غرائبياً، وتنجح في التعبير عن إحساس بالوحشة أمام هذه العمارات. فكرة «النظرة من الخارج» نفسها، يعتمد عليها فيديو «الحديقة» (بيتر شبيلمان وكاتيا رايخارد وماريون فون أوستن)، حيث نرى مجموعة ممثلين يتقمّصون دور رجال أعمال يتحدثون في البيزنس وسط بناء موقت في حديقة عامة.
أما الفنان والمخرج شريف العظمة الذي يدور جزء من عمله حول العلاقة بالفضاء المديني، فقد أعاد في عرض «كابوسية الإطار» بناء موقع أثري مستمد من مخزون ذكرياته الشخصية. كذلك أخذت الذاكرة موقعاً هاماً في مداخلة كلير دافيز عن «تذكّر قاهرة المستقبل» تطرّقت فيها إلى «الاستفادة من مشاعر الحنين إلى وسط المدينة القديمة» في الإعلانات عن شقق «ريفولي» في «سانتر فيل» في «القاهرة الجديدة»، التابعة لشركة العقارات العملاقة «داماك». استعادة الماضي في مدن الصحراء المستقبليّة المنعزلة عن فوضى القاهرة: مشهد كابوسي ساخر سيُلهم بلا شك العديد من المبدعين، سواء كانوا مخرجين أو كتّاباً.