استثمار وصناعة وإنتاج وازدهار على شاشات القاهرةمحمد خير
إذا لم تلقِ الأزمة المالية العالمية بظلالها على السوق السينمائية المصريّة، فإن صناعة السينما في هوليوود الشرق ستشهد نمواً مؤكداً في الأعوام المقبلة على صعيد الاستثمار والصناعة والإنتاج. السينما التي أنتجت العام الماضي 47 فيلماً روائياً طويلاً، وعشرات الأفلام المستقلة والوثائقية والقصيرة (أبرزها «بصرة» لأحمد رشوان و«عين شمس» لإبراهيم البطوط)، قد يتخطى إنتاجها 60 فيلماً طويلاً هذا العام. ما سيجعل مشكلة الإنتاج الجديد تتمثّل في حجم تحمّل السوق لهذا الكمّ من الأعمال في ظل محدودية دور العرض وسيطرة تكتلي «العربية» و«الفن السابع» على سوق التوزيع. ما دفع الشركات الجديدة إلى البدء بتأسيس 115 شاشة عرض جديدة (حسب صحيفة «المصري اليوم»)، تتقاسمها شركة «غود نيوز» و«ميلودي بيكتشرز» التي تأسست العام الماضيفي وقت تنوي فيه «مصر للسينما» (تحالف نجيب ساويرس وكامل أبو علي «الباتروس») تغيير السوق المصرية، ليس فقط بإنتاج عدد كبير ومهمّ من الأفلام، بينها أعمال يسري نصر الله وأسامة فوزي، بل أيضاً بتأسيس مهرجان سينمائي جديد، مقرّه شرم الشيخ التي يمتلك فيها كامل أبو علي استثمارات فندقية كبيرة تسمح له باستضافة المهرجان الذي سيموّله ساويرس بميزانية تبلغ 6 ملايين دولار. وستبدأ دورته الأولى عام 2010 ما قد يوجّه الضربة القاسمة لـ«مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» بعد ضربات وجّهتها إليه مهرجانات «شقيقة». التغيّرات التي ستطرأ على السوق السينمائية المصرية مبعثها ليس اقتصادياً فقط، بل فنّي وجماهيري.
على رغم أنّ العام الماضي لم يشهد العدد الكبير من الأفلام الجدلية التي شهدها 2007 ، مثل «هي فوضى» «حين ميسرة»... فإنّ 2008 كان عاماً فارقاً في ترسيخ تفاعلات فنية وجماهيرية احتدمت في الأعوام الماضية وانتهت بأن سمحت للجميع بأن يكونوا في دور العرض، مبرهنة على جدوى تنوع المشهد السينمائي. إذ إن الكوميديا التي عادت بقوة ونجاح عبر أهم رموزها ـ عادل إمام في «حسن ومرقص» لرامي إمام، محمد هنيدي في «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» لوائل إحسان ـ لم تمنع وجود يسري نصر الله بفيلمه «جنينة الأسماك» وحصوله على فرصة جيدة في دور العرض قلّلت من «خسائر» الفيلم بالمعنى المباشر، انتظاراً لفيلمه القادم «إحكي يا شهرزاد» واستكمالاً لجدل يثيره نصر الله لا بخصوص معنى أفلامه ولغتها فحسب، بل الصورة التي «تخدمها» أفلامه في ما يخص تقسيم السينما إلى نوعين: سينما تجارية وسينما مهرجانات!
«جنينة الأسماك» الذي التقط المشهد المصري المعاصر، لم ينل رضى بعض محبي يسري، ممن رأوا في «صعوبة» الفيلم واغتراب إيقاعه تسهيلاً لمهمة أنصار السينما التافهة أو النظيفة.
بين تجارية هنيدي وفنيّة يسري، يستمر أحمد حلمي في اعتلاء الإيرادات مع تطوير أفلامه معاً، وخوض مغامرة سنوية كان عنوانها فيلمه «آسف على الإزعاج» الذي لا يمكن تصنيفه عملاً كوميدياً. الفيلم الذي أخرجه خالد مرعي سبّب صدمة لجمهور حلمي الذي يتكوّن نصفه من الأطفال ومعظمه من عشاق الكوميديا. ما أدّى إلى تعثّر انطلاقة إيراداته المعتادة، إلا أنّه في النهاية اقتسم القمة ـ كالعادة ـ مع عادل إمام. بينما حصل محمد سعد على قبلة حياة بالإيرادات الجيدة لفيلمه «بوشكاش» بعد انهيار عامين متواليين. لكن لا مؤشرات إلى أنّه سيعود إلى القمة قريباً، وخصوصاً مع العودة القوية لهنيدي مع نهاية العام. وفي وقت بذل فيه خالد يوسف جهداً كبيراً للدفاع عن فيلمه «حين ميسرة» ضد الاتهامات المعهودة بخصوص «تشويه سمعة مصر»، فقد قرر تأجيل عرض «دكان شحاتة» حتى نهاية الشهر الحالي. الفيلم الذي يتولى بطولته عمرو سعد بطل «حين ميسرة» تشارك فيه لأول مرة هيفا وهبي التي فشل مشروع فيلمها مع شركة «السبكي». وجود هيفا سيجلب النجاح الجماهيري والجدل الصحافي بلا شك، وهما أمران برع تلميذ يوسف شاهين المجتهد في استقطابهما. وبين «شحاتة» و«حين ميسرة»، حضر يوسف العام الماضي بفيلمه مع خالد صالح وهاني سلامة «الريس عمر حرب» الذي حقّق إيرادات جيدة ورضى نقدياً. بينما قدّمت «السبكي» شريط «كباريه» الذي أثار دهشة الجمهور والنقاد. إذ برهن شريط المخرج سامح عبد العزيز عن قدرة عائلة الإنتاج الشهيرة على تقديم فيلم جيد فنياً، ما كان يظنّه الناس مستحيلاً! ولا شك في أنّ إحدى أبرز محطات العام كانت الإخفاق الكبير لـ«ليلة البيبي دول». السقوط لم يكن مناسباً لشيخ كتّاب السيناريو المصريين الراحل عبد الحي أديب ولا لابنه المخرج عادل أديب الذي قدّم منتصف التسعينيات فيلماً جميلاً هو «هيستيريا» للراحل أحمد زكي. ولم يكن ذلك الإخفاق متوقعاً للفيلم الأعلى كلفةًَ في تاريخ السينما المصرية. إلا أنّ الشركة المنتجة «غود نيوز» لم تتراجع وقررت صنع فيلم بكلفة أكبر هو «محمد علي» الذي يحكي قصة الحاكم الشهير مؤسس مصر الحديثة ويعود من خلاله إلى السينما يحيى الفخراني بعد غياب 12 عاماً، بينما أسند إخراج الفيلم إلى حاتم علي.

غداً حصاد السينما اللبنانية والفلسطينية