ليال حدادكيف أكتب عن شخصٍ لم أعرفه ولم أقابله إلا نادراً في رواق الجريدة؟ الآن سيكتشف كل من كنت أتباهى أمامه بأنني مستكتبة في جريدة يرأس تحريرها جوزف سماحة أنني كنت أكذب عليه بادّعاء معرفة وطيدة بالرجل. نعم، حين كان يستفسر منّي أحد أساتذتي في الجامعة «كيف الشغل؟ كيف جوزف سماحة؟»، يأتي جوابي تلقائياً وبلا تفكير: «الأخبار بتعقّد والأستاذ جوزف ما في منّو». وأستفيض بالحديث عن ميزات الرجل التي كنت أسمع عنها من بيسان طيّ ومهى زراقط.
ثمّ رحل. هكذا لم ينذر أحداً ولم يعطني وقتاً كي أخترع قصصاً جديدة عنه، أرويها أمام عشّاقه من أساتذة وطلاب في كلية الإعلام.
رحل، وبعد أشهر أصبحت موظّفة في «الأخبار». يومها أعدت قراءة كل افتتاحياته في الجريدة. فعلاً قرأتها كلّها في يومين. أردت أن أثبت للجميع أنني أنتمي إلى «مشروع جوزف سماحة». حفظت الصور التي نشرت في الصفحات التي تلت رحيله، وجمّعت كلّ الأخبار التي تناقلها رفاقه في تأسيس الصحيفة عنه. قالوا لم يكن يغلق باب مكتبه أمام أحد. كان خجولاً. كان قارئاً نهماً. كان يحبّ الموسيقى. كان يحبّ عبد الناصر. كان يشعر بحرج شديد عند توجيه إطراء له أو لكتاباته.
اليوم، حين نتحدّث عنه في الصحيفة أناديه بـ«سماحة» حاف، من دون أستاذ ومن دون جوزف. أشعر لسبب ما بأن هذا يقرّبني منه، تماماً كما يفعل هؤلاء الذين عاشوا معه في «السفير»، وانتقلوا معه إلى «الأخبار». أعوّض عن نقص معيّن وشعور بالدونية تجاه كل من واكبه في حياته المهنية. ألصقت صورته على اللوح إلى جانب ناجي العلي وجورج حبش وغيفارا وتشافيز، وألصقت الريشة الحمراء التي وزّعت في دفنه فوق سريري. هكذا أشعر بأمان مهنيّ. سماحة، هل تقرأ الجريدة اليوم؟ ما رأيك بـ«الأربعين»؟ كيف تجد كتاباتي؟ هل تحسّنت عن الأيام التي كنت أكتب فيها في الصفحة الأخيرة؟ هل أستحقّ أن أكون جزءاً من مشروعك؟
فليأتِ أساتذتي اليوم وليسألوني عنه. سأقول الكثير، وهذه المرة لن أكذب. سأخبرهم عن سنة ونصف أمضيتها في «الأخبار»، وعن سياسة في التحرير أرساها ترفض الخطوط الحمر والمحظورات والرقابة، وعن صورتين تزيّنان طرَفَي الرواق وعينين تراقبان كل تفاصيل يومياتنا في العمل وتؤكدان انتماءنا جميعاً هنا إلى «الأخبار»... إلى «مشروع جوزف سماحة».