كامل جابرالوجوه «النبطانية» الأليفة التي دارت حولها حكايا المدينة في «الزمن الجميل» الحافل بالطرفة، تطلّ في كتاب سعيد الصبّاح «طرائف نبطانية». لم تكن الطرفة تعبر مرور الكرام في ذاك المجتمع المنفتح على مباهج الحياة ومجالس الأنس والشعر. كانت «الخبرية» ـــ الطرفة أو ما تحمله من نقد لاذع أو تعليق ساخر، سرعان ما تشيع، شيوع النار في الهشيم وتُروى في ملتقيات السمر المشابهة لمجالس قصص عنترة بن شداد والزير سالم. حفظ سعيد الصبّاح عن والده أحمد إبراهيم الصبّاح ومجالس صحبه، نوافل القصص والنوادر، وجمعها في كتاب يفوح بعبق التراث الشعبي. وقد عزّز الصبّاح مجمل خبريّاته بمصادرها، ودعّم الطرائف بصور أصحابها. واستهل كتابه بـ «طريف النبطية» الشاعر عبد الله كحيل أحد تلامذة المدرسة الحميدية في النبطية، ثمّ انتقل إلى بعض المطارحات الشعرية والإخوانيات لكبار مشايخ عصرهم: الشيخ عبد الحسين صادق، والشيخ سليمان ظاهر، والشيخ أحمد رضا، والشيخ محمد رضا الزين. انتقل بعدها إلى فكاهات السيد عبدو خلف، ونكات محمود طه، و«عنقبيّات» (مقالب) أبو منيف، ولسعات الشيخ علي الزين، وحكايا الدكتور علي بدر الدين، ودعابات الشاعر نور الدين بدر الدين، وهجائيات الشاعر عبد المنعم فحص، ولطائف الشاعر عباس حرقوص، ومزحات الأستاذ عبد الحسين حامد وغيرها. من بين الطرائف الواردة في الكتاب، قصّة «رومانوس الفحّام مؤسس الرومنسية». ذات مرة سأل السيد بهيج عن الشخص الذي أنشأ «الرومانسية»؟ فأجاب حسن ح. على الفور: «أنشأها وأرسى أسسها صاحب مشحرة فحم من بلدة العيشية يدعى رومانس». فراح عدنان ص. يصرخ وفقاً لطريقته المعهودة: «لأ لأ مش هيك مش هيك، إن مؤسس «الرومانسية» هو رومانوس الذي بنى مدينة روما». وبعد أخذ ورد وطول جدل ومحاورة، حسم السيد بهيج النقاش، مرجحاً قول حسن؛ بأنّ مؤسس «الرومانسية» هو رومانوس ابن العيشية، وذلك لسببين: أولهما، لكون «الرومانسية» حديثة العهد؛ وثانيهما، أن رومانس منشئ روما كان رجل حرب ولم يتماهَ مع الطبيعة والأشياء والحيوانات، بل كانت مهنته القتل والذبح والحروب؛ بينما عاش رومانوس مع الأشجار والطيور. لكن عدنان ضحك ضحكةً جعلته يستلقي على قفاه، وعقّب بالقول: «لكن رومانوس ابن العيشية صاحب مشحرة ومهنته قطع الأشجار، فهو بحالة عداء مع الشجرة والطبيعة، فكيف أرسى أُسس «الرومانسية»؟