حسين بن حمزةفي كتابها «مفاعل حسي» (مؤسسة الناطق للإعلام/مونتريال ــــ عشتروت/ بيروت)، وهو الثاني بعد باكورتها القصصية «شبّ الكوبّا» (2004)، تُريح الكاتبة الأردنية نضال حمارنة قارئها من مكابدة فكّ تقنيات وحِيَل الصور والاستعارات المتحصِّلة من الشغل على اللغة واصطياد المعاني وإزاحتها عن مواضعها في المعاجم. لا نجد لدى الكاتبة سعياً إلى خلق المادة الشعرية من اللغة التي يُكتب بها. ولا تحتوي نصوص الكتاب على ذاك الشعر الصافي الذي يستهدفه شعراء النبرة الخافتة التي تدفن كل خلاصات الشعر تحت سطح الصور والتشبيهات. وفي المقابل، لا نجد شعر التفاصيل الذي راج في العقدين الأخيرين، وبات يمثل خطراً على مستقبل قصيدة النثر عموماً.
ما نقرأه في عمل نضال حمارنة هو كتابة شعرية متخفِّفة من الادعاءات القصوى للشعر، ولكنها ـ في الوقت نفسه ـ تواجه القارئ العادي بما يعرفه عن الشعر. نجد صفة «شعر» مثبتة على الغلاف، بينما نقرأ في الصفحة الأولى أنّه يحتوي على «نصوص تبحث عن Gender». وهذه إشارة إلى أن صاحبة النصوص غير مكترثة بإعطاء هوية مسبقة وبديهية لما تكتبه. لعلّ ذلك عائد إلى كونها قاصة أو بدأت كقاصة، وصار الشعر ممارسة ثانية. على أي حال، يستطيع القارئ وضع كل هذا جانباً. النصوص نفسها تساعده في ذلك، وتورِّطه بسرعة في مقاطع قصيرة تشرح وجهة نظر امرأة تكتب نفسها على هوى مزاجها فقط. النصوص هنا مكتوبة وفق شكل القصيدة السائد. لكنها، في النهاية، ليست أكثر من رسائل متبادلة مع الذات والآخر والحياة اليومية وأوهامها وأشخاصها الحقيقيين والمتخيلين. بدلاً من القصيدة المطمئنة إلى هويتها، نجد بوحاً شعرياً أنثوياً. الرجل المشتهى، الحاضر والغائب، هو الحاضر الأكبر. النصوص تستغيبه وتناشده وتتلهّف عليه في مكاشفة واضحة وحارة، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالكثير من شعرية النصوص. كأن كتابة الألم والفقدان والشهوة أهم من صفاء القصيدة. حمارنة مكتفية بتحقيق النقاط في مباراتها مع الشعر، لا الحصول عليه بالضربة القاضية. القصيدة مرتاحة في خطاب المرأة الاعتيادي الذي بِتْنَا نفتقده في أعمال الشاعرات عموماً. الكثير من الصور المستهدفة من قبل حمارنة هي مما يزدريه النقد ويعامله بقسوة مبالغ بها. ثمة استبداد ونزق وعنف في نبرتها أكثر من التأمل في الشعر والتروّي في استدراجه. بالمقابل، يبدو أن للاستبداد والعنف «شعريةً» لطيفة ومحببة أحياناً. هذا ما يمكن قوله عن صورٍ واستعارات ناجحة تلمع في عدد من نصوص الكتاب. بطلة هذه النصوص فخورة برغباتها وانكساراتها وآلامها. وجودها في مناخات شعرية لا يغير شيئاً في كونها امرأة عادية تخاطب رجلاً عادياً. امرأة يحلو لها أن تغويه بصورٍ مثل: «توتتي مهروسةٌ في أنين الفضّة»، و«بلّور يدكَ / يحزُّ خصري». ويُطرِبُها أن تؤدّي دور «المرأة الخطأ في المكان المناسب». وقد لا تكتفي بصورٍ متناثرة هنا وهناك، فتكتب مقاطع كاملة بروحية هذه الصور. لنقرأ هذا المقطع من نص «كلب أزرق»: «على طريق الغواية المديد/ باغتَّني علناً بنجوم فمكَ المتكسرة/ وقَضْمِكَ الحنون لخنصري البارد/ حتى ألِفْتُكَ كلباً أزرق يأكل ضحكتي/ ويغفو بين أزراري».