المرأة اللبنانيّة ليست بخير وليست أفضل حالاً من أختها العربية عموماً. هذا ما توضحه الباحثة اللبنانية في كتابها الصادر عن «دار الفارابي» بعنوان «آلام النّساء وأحزانهن»

نوال العلي
لم يُفلح عنف الحرب الأهليّة اللبنانيّة في تقديم صورة عنيفة لمجتمع تجد طوائفه صعوبةً في قبول الآخر. ما زال الآخر العربي ابن المجتمعات المكبوتة يتطلع إلى هذه البقعة بكونها نقيض كل ما يعيش. ظلّ سويسرا الشرق نموذجاً للنمط الاجتماعي الأنيق والبارز من دول الشرق. قد لا يكون هذا الحديث هو مدار الدّراسة الميدانيّة التي أصدرتها الباحثة فهميّة شرف الدين في كتاب «آلام النّساء وأحزانهن» (دار الفارابي) أواخر 2008، ولكنّه واحد من أفكار عدّة تراود المرء ما إن يفرغ من قراءة النتائج التي توصلت إليها الباحثة، وتتعلّق بالعنف الزوجيّ في لبنان، وها هي النِّسَب تكشف لنا أنّ المرأة اللبنانيّة ليست بخير، وأنّها ليست أفضل حالاً من جارتها العربية.
ورغم صعوبة إجراء بحث اجتماعي من هذا النوع في نسيج كالنسيج الذي يتألّف منه لبنان، إلا أنّ الباحثة حرصت على تمثيل الطوائف والمناطق والأقضية على نحو عادل إلى حد ما، لتظهر هذه العيّنة أن نسبة 87 في المئة من النساء في العيّنة موضع الدراسة يتعرضن للعنف الكلامي، و 68.3 في المئة يتعرضن للعنف الجسدي بدءاً من الضرب وانتهاءً بالخنق والحرق وإخرج الزوجة من بيتها في زمهرير الشتاء. أمّا العنف النفسي فتتعرض له ما نسبته 90 في المئة من العينة وتعني به الباحثة مثلاً إخضاع الزوجة للمراقبة أو منعها من الطعام. أما ما نسبته 55 في المئة فيتعرضن للعنف الجنسي، كمضاجعة العشيقة أمام الشريكة، أو إجبارها على معاشرة الأصدقاء أو الضرب أثناء الممارسة، إضافة إلى العنف الاقتصادي المتمثّل في نسبة 65 في المئة من العيّنة ويتبدى بالحرمان من المصروف أو سلب الراتب أو إجبار الزوجة على ترك العمل.
كذلك تشير النتائج التي خرجت بها شرف الدين إلى مواضع تسترعي البحث فيها طويلاً، كعلاقة المرأة بالهيئات الاجتماعية المختصة بالعنف. إذ تبين النسب أن 9.7 في المئة فقط من العينة تلجأ إلى هذه الجهات. كذلك يظهر الضعف وانعدام الثقة أو الخوف من اللجوء إلى الجهات القانونية، إذ تشير نسبة النساء اللواتي يتقدمن بشكوى رسمية إلى 8 في المئة فقط من العينة. رغم ذلك، تلفت المقابلات التي تلت تعبئة الاستمارات مع أفراد العينة أنّ معظم النّساء طالبن بوضع قوانين لحماية النساء داخل الأسرة. أمر دعا الباحثة إلى تخصيص ملحق بالدراسة تدعو فيه إلى وضع خطة وطنية للنهوض بالمرأة في لبنان. وتتمثل الخطّة في ثلاثة مستويات تتعلق بتنزيه القوانين عن التمييز ضد النساء، وبناء ثقافة المساواة، وتمكين النّساء وبناء قدراتهن الذاتية.
لكن هذه المستويات تتضارب مع مصالح الرموز الاجتماعية والدينية. ما يحيلنا على محورٍ من محاور الإطار النظري لهذا البحث، وهو موضوع العنف الرمزي الذي أطلقه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، إذ يعزو رسوخ الاستلاب الاقتصادي والجنسي والمعتقدي الذي تخضع له المرأة إلى إحاطة ذلك الاستلاب بمجموعة من الأساطير أسبغت عليه شرعيته. ومن خلال هذا الإطار، انطلقت الباحثة لتضع استمارة الدراسة وتطرح تساؤلاتها عن علاقة العنف بالدين والمجتمع.
وترى صاحبة «أصل واحد وصور كثيرة» الكتاب الذي تناولت فيه ثقافة العنف ضدّ المرأة في لبنان، أنّ الثقافة السائدة هنا وقوانين الأحوال الشخصيّة «تخضع للمرجعيّات الدينيّة المختلفة» بمعنى الخضوع لرموزها، ما يضفي قدسيّة تُعلي من شأن الأدوار الاجتماعية، حتى يغدو الاقتراب منها انتهاكاً لمحرمٍ يستند المجتمع إليه لتحقيق توازنه وضمان استقراره، حتى وإن لم يكن ذلك الاستقرار قائماً على فكرة العدالة، ولكن ألا يظل هذا النوع من الاستقرار واقعاً تحت التهديد؟! قد يكون شعار «فتّش عن المرأة» هو المناسب لهذا العصر، لكن ليس لوضعها موضع الاتهام، بل للاعتراف بها ضحيةً ومن ثم البحث عن سبل نجاتها.