التجارب العربيّة في مجال الرقص المعاصر باتت متنوّعة وغزيرة مشرقاً ومغرباً... ولعلّ الوقت قد حان لطرح بعض الأسئلة التي تفرض نفسها على المبدعين، في مجالات تقنيّة وجماليّة وفكريّة شتّى
بيار أبي صعب
الرقص المعاصر هو بلا شكّ اليوم من أصعب الفنون قدرة على اختراق الواقع الثقافي العربي، لاعتبارات كثيرة بعضها نابع من طبيعته نفسها ـــ حتّى في الغرب ـــ وبنيته ومفرداته الفنيّة، إلخ، وبعضها الآخر له علاقة بالثقافة العربيّة السائدة وتقاليد الفرجة بشكل عام. لنقل إنه حقل إبداعي ما زال يبحث عن شرعيّة، ويجاهد لدخول السلوك المديني وفرض نفسه على التقاليد الثقافيّة لجمهور سيبقى محصوراً في نهاية الأمر.
في الثمانينيات والتسعينيات، كنّا نلمح بين حين وآخر بوادر نضج، وتجارب مكتملة في القاهرة وتونس وبيروت والدار البيضاء... لكنّها بقيت آنذاك محصورة في الزمان والمكان، عاجزة عن التضافر والتلاقي في سياق حركة فنيّة بالمعنى الفعلي للكلمة. اليوم بات الأمر مختلفاً، وربّما أمكن القول إنّا نعيش ـــــ رغم الصعوبات والعراقيل الكثيرة ـــــ لحظة الرقص العربي المعاصر بامتياز.
هذا الأمر دفع بالقيّمين على BIPOD 09 إلى تخصيص حيّز أساسي من برنامج المهرجان للتجارب المرتبطة بهذه المنطقة من العالم... فكان «الملتقى العربي الأوّل للرقص المعاصر» (23 ـــــ 26 نيسان/ أبريل الجاري) الذي تبادر إلى تنظيمه فرقة «مقامات» (لبنان)، بالتعاون مع «سرية رام الله» (فلسطين)، و«ناس الفن» (تونس)، و«مكتب التصدير اللبناني لفنون الأداء ــــ Leoparts » (لبنان). على البرنامج عروض لـ17 فرقة عربية... وكان من الطبيعي أن تعقد ندوة في الزخم نفسه، تحتضن عدداً من الراقصين ومصمّمي الرقص العرب والأجانب، إضافة إلى بعض النقّاد، لطرح أسئلة تتعلّق بالممارسة الإبداعيّة: مراجعها وأدواتها وأشكالها وتأثراتها... على أن تطرح في السياق نفسه آفاق الشراكة والتعاون والتبادل والتواصل بين مختلف الفرق والفنّانين والمهرجانات والمؤسسات على امتداد العالم العربي، لخلق فضاء مشترك تسافر عبره الأعمال، وتتلاقح التجارب وتتكامل.
هكذا سيلتقي كل المعنيين والضيوف، في القاعة الصغرى لـ«مسرح المدينة»، ليتداولوا على امتداد أربعة أيام، في خطط تطوير الرقص المعاصر على المدى الطويل، وبناء القدرات، وتنظيم ورشات العمل، ووضع برامج استضافة الفنانين، إلخ.
اليوم الأوّل سيدور حول تعريف الرقص المعاصر العربي. ويشارك في الورشة خمسة مصممي رقص هم: مهنّد رشيد، وربيع الكردي، ونسرين نفّاع، وتوفيق إيزيديو، وزي خولي، وكريمة منصور. من المتوقّع أن يعرض هؤلاء خبراتهم وتجاربهم الفنيّة، وتطلعاتهم، والمزايا الفنية التي طبعت أعمالهم في إطار اجتماعي وثقافي محددين. موضوع اليوم الثاني أكثر نظريّة: «استيراد/ تصدير»، وهو مخصص لمناقشة التأثيرات الغربيّة وانعكاساتها على بلورة ملامح الرقص العربي المعاصر. ويتطرق المشاركون من فنانين ونقّاد (فرانتز أنطون كرامير، بيار أبي صعب، رضوان مؤدّب، ستيفان سوارتز، نورا مراد) إلى إشكالات الهويّة العربيّة في الرقص، من خلال علاقات التفاعل، وأطر الإعداد والمرجعيّات الغربيّة.
اليوم الثالث مخصص لمشروع تأسيس هيكليات وشبكات تواصل بين مختلف البلدان. ويبحث المشاركون (نيفينكا كوبريفسيك، مارلون باريوس، عمر راجح، بيرتي أماش،مرتا روزا) في الشروط المطلوبة لتحقيق «تبادل متوازن»، ودور شبكات التبادل الإقليمية، ووسائل تجديدها وتوسيعها من خلال أشكال التواصل الإلكترونيّة. أما اليوم الأخير فمخصّص للتداول في آليات تأسيس «اتحاد الراقصين ومصممي الرقص العرب»، في ضوء مناقشات الندوة.