بَهَر إيليا سليمان الحضور بفيلمه «الزمن الباقي» الذي رصد ستّين سنة من حياة الشعب الفلسطيني من خلال بورتريه لعائلته
عثمان تزغارت
مع استكمال عروض المسابقة الرسمية في الدورة الـ62 من «مهرجان كان»، هبّت على الكروازيت موجة من الأفلام السياسية التي اتّسمت بتيمات متقاربة على صعيد المضمون، وبتنوّع كبير من حيث الرؤيا الإخراجية والسمات الأسلوبية.
أفلام الأسبوع الأول من المهرجان اتسمت مضامينها بطابع حميمي غلب عليه المنحى النفسي. وكانت أبرز المحطات فيها أربعة أعمال هي: فيلم جين كامبيون الشاعري الرقيق «النجمة الساطعة» وAntichrist للارس فون تراير ذي المنحى الفلسفي والتأملي، وفيلم ألمودوفار «العناق الكسير» المسكون بالقلق الوجودي، ورائعة جاك أوديار «نبيّ» التي رجّح غالبية النقاد هنا أن تكون «السعفة الذهبية» من نصيبها.
أما أفلام الأسبوع الثاني، فاحتلّت مواضيع مقاومة الاحتلال ومحاربة التطرف والنضال من أجل الحرية مكانةً مركزيةً في أربعة أفلام بارزة، هي «السفلة المجهولون» لكوينتن تارانتينو، و«الزمن الباقي: سيرة الحاضر الغائب» لإيليا سليمان، و«المناديل البيضاء» لمايكل هانيكي، و«النصر» لماركو بيلّوكيو. لكنّ أوجه المقارنة بين هذه الأفلام تتوقف عند هذا الحدّ، إذ إنّها تختلف عن بعضها جذرياً، من حيث السمات الأسلوبية. موضوع الحرب العالمية الثانية تناوله تارانتينو بأسلوب ملحمي صوّر من خلاله تحوّل حفنة من المجرمين وذوي السوابق إلى شخصيات بطولية بعدما زُجّ بهم في أتون الحرب. بينما سلك مايكل هانيكي لمقاربة الموضوع ذاته منحى نفسياً، فرصد نشأة النازية وتأثيرها، من خلال تصوير وقائع الحياة في قرية صغيرة في الريف النمساوي خلال ثلاثينيات القرن المنصرم. المنحى النفسي ذاته سلكه الإيطالي المخضرم ماركو بيلّوكيو. إذ واصل في «النصر» المسعى الذي يسكن أعماله في مساءلة التاريخ الإيطالي المعاصر. وجاء ذلك، هذه المرة، من خلال بورتريه نفسي عن موسوليني. لكنّ العمل لم يكن في مستوى التوقّعات، ولم ينجح في إثارة الجدل الذي كان مرتقباً بفعل مقاربته الإشكالية لتلك الشخصية.
أمّا إيليا سليمان، فقدّم فيلماً صوّر فيه وقائع 60 سنة من حياة الشعب الفلسطيني منذ النكبة، عبر بورتريه عائلي مستوحى من السيرة البيوغرافية لثلاثة أجيال من آل سليمان (جدته ووالده وهو). فضلاً عن مضمونه السياسي، بَهَر هذا الفيلم الكروازيت بفضل رؤيته الإخراجية المحبوكة وروح الفكاهة السوداء التي جعلت عمل سليمان يقترب من روائع «السينما السوداء».