بشير صفيركنان العظمة يحطّ رحاله مساء غدٍ في بيروت حيث يحيي حفلة وحيدة في «مسرح بابل»، بعد جولة بدأت من عمّان مروراً بدمشق وحلب والقاهرة. الأمسية مناسبة أيضاً لإطلاق ألبوم بعنوان «قصص مركَّبة، أصوات بسيطة» (إنكوغنيتو)، يحمل توقيع المؤلف وعازف الكلارينت السوري، وزميله دينوك ويجراتنه المؤلف وعازف البيانو الكندي من أصل سريلانكي. الأسطوانة عبارة عن ثماني مقطوعات لا يمكن تشريحها، بل يستحسن أن نبني علاقتنا بها انطلاقاً من الانطباعات التي تتركها عندنا، علماً بأنها ليست انطباعية بالمعنى الموسيقي/ الفرنسي للتسمية، بل يمكن وصفها بالتعبيرية المكثّفة. هي رؤية معاصرة لرومنطيقية شرقية ـــــ غربية، قائمة على قصص مركَّبة، وتأثرات بسيطة، وذكريات محكومة بفائضٍ من الحنين. هي موسيقى للوحدة، لا تدعو إلى التفكير بقدر ما تدعو إلى التأمّل. لذا تراها متصلة بالصمت الذي يتبعها، فيجعل من الصعب الاستماع إليها على التوالي.
لا تمثّل مقطوعات الاسطوانة امتداداً للموسيقى الشرقية العربية أو الآسيوية، بل هي عبارة عن خلاصة صوتية وثقافية متعدِّدة الجذور، جُمِعَت في قالب كلاسيكي معاصر ذي هامش حداثي محدود لا تجريب فيه، إذ لم يعُد يُسمّى تجريباً اللعب على أوتار البيانو من الداخل (تقنية يلجأ إليها دينوك بقدر ما يستعمل مفاتيح آلته). في مؤلفات دينوك نقع على مزاج قريب من الرعوية/ الآسيوية في «أبواق صامتة»، وعلى التصويرية اللامكانية «منحنى التعلُّم». بمعنى أنه يمكن أن تُحصَر في غرفة صغيرة أو تطلق في أفقٍ لا محدود. وهناك مناجاة الكلارينَت على إيقاع بلدي (قرعاً على صندوق البيانو بالتزامن مع العزف عليه) في «شيء ما هناك». وفي مؤلفات كنان، نقع على أنغام الـ«كْلتسْمِر» (موسيقى اليهود الغجر) في «خاتمة ابن عربي» المليئة بالتنويعات والنزعة التكراريّة والمنحى الارتجالي (يتولاها كمان وتشيلو إلى جانب البيانو والكلارينَت). هذه المقطوعة الأساسية في الألبوم تقترب من ذاك التيار المغمور في نيويورك الذي أعاد الموسيقى من «الفلتان» في اللاصوت واللانغمة، إلى صوتٍ ونغمةٍ خاصَّين. وفي «22 تشرين الثاني» نقع على ذكريات هزيمة ما، تذيِّلها ابتسامة ساخرة. وفي الألبوم أيضاً مقطوعة «عن بيلّا»، مستوحاة من عملٍ للبيانو المنفرد للمؤلف المجري الكبير بيلا بارتوك، وأخرى لكنان بعنوان «ريسوف» زاد عليها الفنان التركي أوموت غوكشن مادة إلكترونية. كما أعاد الأخير خلط مقطوعة «أشياء هناك». ملاحظة أخيرة: في الألبوم حزنٌ متربِّص. الحزن جميل. لكن، أليس أجمل تمويهُه، بين فينة وأخرى، بالفكاهة والسخرية لمضاعفة مفعوله؟


8:30 مساء الغد: «مسرح بابل» (الحمرا ــــ بيروت)، للاستعلام: 01/744034