بيار أبي صعبدائماً كنّا ننظر بفضول إلى ذلك الشاعر القابع على حدة، خارج التصنيفات والأجيال. وكان نصّه يأتي أليفاً وحميماً، نحار في تحديد مراجعه ضمن سياق الشعر العربي الجديد. ذات يوم، أطلق مشروع ترجمة الشعر الأميركي كأنّه يدعونا إلى مشاركته مغامرة استكشافيّة مغرية. كثيرون اعتبروا أنّها نزوة شبابيّة عابرة، لأن مثل هذا المشروع يتطلّب خبرة معرفيّة ومسافة نقديّة ونضجاً ومراساً وإمكانات ماديّة. صاحب «جورنال اللطائف المصوّرة» راح وقتذاك يدور على الأصدقاء والزملاء والمعارف، يبيعهم باليد كل جزء من تلك السلسلة المنشورة بطريقة حِرَفيّة، تحت عنوان «أشياء أخرى تأتي من بلاد العم سام». كل ذلك كان يذكّر بتقاليد أدبيّة ضائعة.
الكتيّبات انقطعت عن الصدور طبعاً. لكنّ سامر أبو هوّاش واصل رحلته في مجاهل الشعر الأميركي... على خطى معلّمين سبقوه من توفيق صايغ إلى سركون بولص. كان يكتشف ويتعلّم ويعمّق تجربته، ويترجم في الظلّ. سبع سنوات مرّت، قبل أن يعود متأبّطاً مكتبة هائلة: «مشروع الشعر الأميركي» في 15 مجلداً («دار كلمة»/ أبو ظبي ــــ «دار الجمل»/ بيروت). شعراء من مختلف الاتجاهات والمدارس، من لنغستون هيوز إلى سيلفيا بلاث، يمثلون جزءاً مهمّاً من المشهد الشعري في الولايات المتحدة، وبعضهم ـــــ بل معظمهم ـــــ يكتشفه قارئ الضاد للمرّة الأولى... تضاف إليها 3 مجلدات مخصّصة لفوكنر (الأعمال القصصيّة الكاملة، كلمة/ الآداب).
يوغل أبو هوّاش ــــ لحسن حظّ القارئ ــــ في العوالم الشعريّة لخلانه، بدافع أناني صرف. صار يعرفهم جيّداً، وعمله يخضع لذائقة انتقائيّة وتوازنات من نوع خاص، خارج أي ادعاء «أنطولوجي». فلنبدأ إذاً من بوكوفسكي «الحبّ كلب من الجحيم».