دعوات إلى دفنه على الطريقة الإسلامية

طبعَ جيل موسيقى البوب واحتلّ المرتبة الأولى في نسبة المبيعات ونال جائزة «غرامي» 13 مرة و«أدخل الأمل إلى قلوب السود». «ملك البوب» الذي زاحمت فضائحه الشخصيّة فنّه، مثّّل رحيله المفاجئ أول من أمس صدمةً حقيقية، طارحاً علامات استفهام عدّة

ديما شريف
«كنت أظنّه خالداً» لعلّ هذه الجملة لأحد الأشخاص الذين استطلعت «أورونيوز» آراءهم أمس، تعبّر خير تعبير عن صورة مايكل جاكسون في أذهان الأميركيين. هكذا جاء رحيل «ملك البوب» ـــــ جرّاء أزمة قلبيّة أوّل من أمس في منزله في لوس أنجلس ـــــ بمثابة صدمة ليس للوسط الفني فحسب، بل لمعجبيه الذين ينتمون إلى مختلف الشرائح العمرية في العالم. هذا الموت المفاجئ والغامض طرح علامات استفهام عدة، وجعل مدير أعماله السابق طارق بن عمار يتّهم أطباء المغني بأنّهم «مجرمون» استغلوا معاناته من «الوسواس» وتناوله الكثير من العقاقير.
لا نظلم جاكسون حين نقول إنّه ـــــ رغم عدد معجبيه الكبير ـــــ فإنّ الاهتمام بفنّه تراجع في العقدين الأخيرين أمام أخبار الفضائح التي عصفت بحياته الشخصيّة. ومنذ صدور ألبومه «HIStory» عام 1995، لم يعد أحد يبالي بإصداراته بقدر اهتمامه بالحمّى التي أثارها زواجه وطلاقه ودعاوى التحرش الجنسي التي رُفعت ضدّه. ولد جاكسون في آب (أغسطس) عام 1958. وفي الخامسة من عمره، انضمّ إلى إخوته ليكوّنوا فرقة «5 THE JACKSON» ولم يكد يبلغ الـ 11 حتى بدأ يتميّز عنهم. ومنذ 1971 بدأ يشقّ طريقه الخاص. باع أكبر عدد ألبومات في التاريخ، وحققت أعماله مبيعات بلغت حوالى 750 مليون دولار أميركي. وطبعَ موسيقى البوب بأغانيه حتى أصبح اسمه مرادفاً لهذا الفن. ولعلّ أبرز ما ميّز مسيرته الحافلة هو ألبوم «ثريلر» (1982) الذي باع 50 مليون نسخة فاستحقّ المرتبة الأولى في التاريخ في نسبة المبيعات. كما أنّ أربعة من أعماله احتلّت لائحة الأسطوانات الأكثر مبيعاً وهي: «off the wall» (1979)، «bad» (1987)، «dangerous» (1991) و«HIStory».
رغم كلّ هذه النجاحات، طغت فضائحه الشخصيّة على فنّه، مذ قرّر في منتصف الثمانينيات، أن يغيّر شكله، فاحتلّت نظريات «كره النفس» صفحات الجرائد. وسرعان ما بدأت بشرته تَفتح. يومها، ادعى بأنّه مصاب بمرض نادر يؤدي إلى ظهور بقع بيضاء على البشرة. ولاحقاً بدأت رحلة عمليات التجميل ليغيّر أنفه تدريجاً حتى استبدله بآخر جديد! لكنّ الجمهور سرعان ما نسي هذه الأمور حين فوجئ في منتصف التسعينيات بأول اتهام لجاكسون بالتحرش الجنسي بقاصر. علماً بأنّ جاكسون اعترف مرةً لأوبرا وينفري بأنّ والده تحرّش به عندما كان صغيراً.
حينها، ادّعى أهل الطفل بأنّ جاكسون تحرّش به بعدما دعاه مع مجموعة أطفال فقراء إلى قصره «نيفيرلاند». لكنّ القضية سُوِّيت بعدما دفع جاكسون 20 مليون دولار مقابل تنازل أهل الولد عن التهمة. وبعد أشهر، تزوج ابنة إلفيس بريسلي في خطوة عُدّت تمويهاً على ميوله الجنسية، غير أنّ الزواج لم يدم سوى عامين. عاد جاكسون وتزوج ممرضة تدعى ديبي أنجبت منه ولدين: برينس مايكل جونيور (1997) وباريس مايكل (1998)، ليتطلّقا في 1999. وفي 2002، ولد له برينس مايكل الثاني الذي لم تُعرف هويّة والدته.
أما رحلته مع المورفين، فقصّة أخرى بدأت عام 2003 إثر اتهامه مجدداً بالتحرش بقاصر، واستمرت بعد تبرئته عام 2005، إثر انتقاله إلى البحرين بضيافة أحد أمرائها. وفي الفترة الأخيرة، عانى جاكسون متاعب مالية جمّة عزاها بعضهم إلى دفعه تسويات مالية لأشخاص كانوا سيقاضونه بالتهمة الجديدة القديمة: التحرش الجنسي بقاصرين.
ورغم حياته العاصِفة والمثيرة للجدل، لا يمكن تجاهل تأثير جاكسون ـــــ الذي نال جائزة «غرامي» 13 مرةً ــــــ على جيل البوب والهيب هوب والآر أند بي منذ التسعينيات حتى اليوم مع بريتني سبيرز، جاستين تيمبرلايك، ماريا كاري... وقبل وفاته، كان مقرراً أن يؤدي 50 حفلة حول العالم، أولاها في بريطانيا الشهر المقبل، وكانت البطاقات قد نفدت كلّها!
وفي ردود الفعل الأولى على موته، قالت زوجته السابقة ليزا ـــــ ماري بريسلي إنّها حزينة، ومرتبكة، وقلبها مع أولاد جاكسون «الذين أحبَّهم كثيراً». أما القسّ المثير للجدل آل شاربتون، فأعلن أنّ جاكسون أدخل الأمل إلى قلوب السود في العالم قبل باراك أوباما. بينما قالت مادونا «لا أستطيع التوقف عن البكاء منذ علمت بالخبر الحزين».
وبعد شيوع خبر رحيله، انتشرت المجموعات على موقع «فايسبوك» وضمّت إحداها ما يزيد على 80 ألف شخص، فيما وصل عدد أعضاء مجموعة أنشئت قبل وفاته إلى ما يقارب 900 ألف. وبينما ينتظر الكلّ معرفة مكان وفاته، تحفّظ شقيقه الكبير، جيرمين عن الموعد ريثما تُستكمل نتائج تشريح الجثة وفحص السموم التي قد تستغرق أسابيع. إلّا أنّ بعض الأصوات بدأت تعلو منذ الآن مطالبةً بدفنه على الطريقة الإسلامية بعدما سرت أنباء عن تحوّله إلى الإسلام في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.


وقفة

ملاكنا الهجين


نجوان درويش
الملاك الهجين يغادر بأجنحة مكسورة وعمليات تجميل و«نجاح» أسطوري وشائعات و«فضائح» وديون... و«معجبين» يلوحون له من جهات الأرض الأربع. يغادر بعدما تعب من محاولات شفاء الأرض أو شفاء نفسه. نهاية درامية تليق بملاك أرضي لم يكن معصوماً عن شيء. جمع في شخصيته كل ما لا يُجمع، أثيرية الملائكة (الأرضيين) وبلاستيكية عصر التقنية والتصنيع. هو هذا التبادل الخفي بين الجوهري والمصطنع في الإنسان. الملاك الهجين الذي ـ كما يقول ـ دُمغت طفولته بأب قاس، وجد العالم أباً قاسياً آخر لا خلاص منه. كانت طفولته المستعصية ملاذاً وشقاءً في آن، من عقدة «بيتر بان» ـ الطفل الذي لا يكبر ـ إلى اتهامه المتأخر بـ «البيدوفيليا» وهي التهمة التي بُرِّئ منها. لكن مشاكله سلبته ربما الطاقة التي يحتاج إليها كائن بشفافيته لمواجهة العالم.
يُروى أن والده لبس مرةً قناع وحش وتسلّل من نافذة غرفة أولاده حتى «يعلّمهم» ألّا يتركوا النوافذ مفتوحة! قد تكون قسوة الأب مبالغة من الملاك الهجين لمواراة جرح أعمق. لعلها مجرد كناية عن قسوة العالم وقسوة أميركا تحديداً، وقسوة أن تكون زنجياً في عالم «يمتلكه» الرجل الأبيض. الهجنة في حياة جاكسون هي دمغة القسوة التي لا خلاص منها، حتى «اللامكان» (مزرعته Neverland) لم تحمه من العالم/ الأب وقد لبس قناع وحش وربض على نافذته.
صبي أسمر فائق الحيوية يرقص بالأبيض والأسود، بهذه الصورة أطلّ أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات في حقبة انتشار التلفزيون وبداية عصر صناعة الصورة. ولعل «الصورة» هي كلمة السر في حياة «جاكو»، فما انفكت صورة الصبي الأسمر تعرض مع علامة استفهام (وقد صار رجلاً أبيض. الأسود الذي صار أبيض) لن يكفيها في حالة جاكسون التحليل الكلاسيكي الذي يقدمه فانون في «وجوه سوداء.. أقنعة بيضاء». وإن كنا لا نستبعد هذا التحليل عن أسطورة الملاك الهجين: صنيعة الزمن الأميركي وشركات التسجيل وضحيتها... صنيعة نفسه وضحية صورته. ولعلنا لا نجد «معادلاً موضوعياً» للعصر الذي نلوّح له، مثل أسطورة جاكسون.. ملاكنا الهجين!