انطلاق «مهرجانات بيبلوس» مع سفيرة الـ«نيو آيدج»
الليلة أول مواعيد الصيف اللبنانيّة، مع الأمسية التي تحييها لورينا ماكينيت في افتتاح «مهرجانات بيبلوس». المغنيّة الكنديّة ذات الأصول والتأثرات السلتيّة لم تفقد شيئاً من بريقها وشعبيتها، رغم ابتعادها ردحاً عن الأضواء. بين التأليف والغناء والعزف على البيانو والقيثارة والأكورديون، تأخذنا إلى توليفة تلامس حدود الـ New Age

بشير صفير
بعد سنة هادئة نسبياً، أتاحت لمنظّمي المهرجانات الصيفية العمل في جوٍ مناسب، وولَّدت الحدّ الأدنى من الطمأنينة لدى الفنانين العالميّين، تنطلق أولى التظاهرات الفنية السنوية الضخمة، مساء اليوم من مدينة جبيل اللبنانيّة. الحفلة الأولى من «مهرجانات بيبلوس» تقدّمها الكندية من أصول سلتيّة (إيرلندية/ اسكتلندية) لورينا ماكينيت تمهِّد للحدث العريق، وتأتي قبل أسبوعين على الموعد التالي في المهرجان (6 تموز/ يوليو المقبل، فرقة «كين» البريطانية). قد تعود أسباب هذا الفارق الزمني بين حفلة ماكينيت ومن سَيَليها على برنامج «بيبلوس»، إلى الشهرة العالمية التي تتمتع بها المغنية الخمسينية، وارتباطها بمواعيد فنيَّة كثيرة هذا الصيف.
في لبنان كما في أي مكان من العالم، تتمتع لورينا ماكينيت بشهرة كبيرة. صحيح أن كثيرين لا يتذوقون فنَّها، لكنَّ الجميع يعرفها، وعشاقها من الجمهور اللبناني ليسوا قلَّة. رغم انحسار إنتاجها في السنوات الأخيرة لأسباب شخصية مأسوية، إلا أنّ أسطواناتها، وخصوصاً تلك التي تعود إلى مرحلة عطاءاتها الذهبية في التسعينيات، لا تزال تحقق أرقاماً عالية في مبيعات السوق المحلية.
ولدت ماكينيت في كندا عام 1957، ودرست الموسيقى على أكثر من مستوى، وفي اتجاهات عدّة: التأليف الموسيقي، الغناء، العزف على البيانو والقيثارة (الهارب) والأكورديون. ولادتها وترعرعها بعيداً عن بيئتها الأمّ في إيرلندا، لم يفصلاها عن تراثها الفني الأصلي، الموسيقى السلتيّة، وقد أمعنت اكتشافها في السبعينيات عبر تسجيلات كانت رائجة خلال تلك الحقبة.
بدأت المغنية مسيرتها بالمشاركة في مهرجانات كندية، حيث راحت تقدِّم أغانيها الخاصة المتأثرة بالتراث السلتيّ، كما كتبت في بداياتها موسيقى لأعمال سينمائية وأشرطة وثائقية. عام 1985 صدر أول عمل مسجَّل لها. Elemental حوى أغنيات بصوتها مع مرافقة لآلة القيثارة رمز الموسيقى الإيرلندية (والمستخدَمة كثيراً في الموسيقى الكلاسيكية أيضاً). الترحيب الذي استقبل به الجمهور أعمال ماكينيت وصوتها المميَّز، أمَّن للفنانة الشابة الثِّقة الكافية للمضيّ قدماً في مشروعها. توالت الألبومات، بينها عملها الأشهر على الإطلاق The Visit («الزيارة») الذي قدَّمته عام 1991 فبيعت منه ملايين النسخ حول العالم. بعد هذه المحطَّة المهمّة، أصدرت ألبومَيْن آخرين ضاعفا تكريسها كإحدى أكثر المغنيات شهرة في العصر الحديث:The Mask and Mirror عام 1994 وThe Book of Secrets عام 1997.
كلُّ الأحلام التي حقَّقتها ماكينيت لغاية ذلك التاريخ، وكانت تنوي تحقيقها في المستقبل، تحطّمت فجأة عام 1998، عندما شاء القدر أن يسرق من حياتها أهم ما فيها. فقد تعرَّض خطيبها لحادث بحريّ وتوفِّي غرقاً مع أخيه وصديقه. هذه المأساة سبّبت للورينا ماكينيت شللاً فنياً تاماً أبعدها عن الأنظار وأدخلها في دوامة، فقدت معها القدرة على التركيز لخلق أي جديدٍ أو إقامة الحفلات. منذ الحادثة الأليمة حتى عام 2006، غابت ماكينيت عن الأضواء، ولم يصدر لها طوال تلك الفترة أي تسجيل، سوى تسجيل حيّ لحفلات سابقة (باريس وتورونتو). لكن من جهة أخرى، نشطت المغنية الكندية في مجال آخر رداً على موت حبيبها غرقاً. هكذا أسّست جمعية تعنى بالإنقاذ البحري وإرشادات الوقاية من الغرق، محاولةً بذلك التخفيف من احتمال وقوع هذه المصيبة لغيرها.
منذ 2006، أصدرت ماكينيت أعمالاً عدّة، بعضها تسجيلات حيّة وبعضها في الاستديو، مثل ألبومها الأول بعد معاناة الحادثة المذكورة An Ancient Muse الذي حوى تأثيرات موسيقى شعوب عدّة (شرقية، سلتيّة، يونانية...)، تماماً كألبوماتها السابقة التي لم تخلُ في جزءٍ منها من أنغام العود الشرقي والبزق السلتيّ (المستعمل في اليونان).
موسيقياً، توضع أعمال ماكينيت في خانة الموسيقى السلتيّة (راجع المقال أدناه)، لكن لا يمكن اعتبار نتاجها ممثلاً للتراث السلتيّ. الفنانة الكندية تعتمد أسلوب المزج، وبالتالي موسيقاها هي عبارة عن «فيوجن»، بين تراث أجدادها وتيارات موسيقية مختلفة المصدر. لكنَّ أحد الأسباب التي تجعلها غير مرغوب فيها ـــــ إذا صحّ التعبير ـــــ عند شريحة من الجمهور، هو اعتمادها توليفة تلامس موسيقى الـ«نيو آيدج»، أي النسخة الحديثة نسبياً، التجارية والسطحية، للموسيقى الكلاسيكية. ويتمثل ذلك التوجّه بالورتريات السابحة في الفضاء، التي لا تفرض استفزازاً يذكر على الأذن لشدَّة تجانس جوّها العام. لكنَّ ذلك لا يمنع من الاعتراف بظاهرة لورينا ماكينيت التي غزَت الجماهير، وقدَّمت نموذجاً بديلاً من فنون باتت مقاربتها صعبة في ظلِّ عصر السرعة. من هنا، فإنَّ إطلالتها اللبنانية ستترك عند المعجبين بفنِّها لحظات موسيقية حيَّة تضاف إلى تلك التي تراكمت في ذاكرتهم عبر ألبومات رافقتهم لسنوات.


8:30: مساء اليوم ـــــ «مهرجانات بيبلوس» ـــــ للاستعلام: 01/999666 ـــــ 09/542020
www.byblosfestival.org