نوال العليليس «وشم المدن» (دار رياض الريّس) لخالد الحروب من أدب الرحلات، وإن كان عن رحلات الشاعر والإعلامي الفلسطيني في مدن وعواصم شرقية وغربية. والحروب أصلاً لم يطرح نفسه كاتباً من هذا النوع. لكن خبراته وتنقله بين محطات كثيرة، فرصة لهذا النوع من الأدب فوّتها على نفسه، بأن تجاوز المدينة ليحكي كثيراً عن انعكاسه هو فيها. وهو، بلغته الشعرية، نجح في إيصال عاطفته التي اختلفت باختلاف المكان. لكنه غيّب شيئاً يبحث عنه القارئ بلا وعي، وهو المكان. روائح الأزقة وعمارة الأحياء الراقية وتلك الفقيرة، رائحة البهارات والانطباع الثاني، لا الأول عن الطعام. طبعاً ليس هذا موضوع الكتاب، فالحروب يختار قضية ما، تفصيلاً أو حدثاً يتعلق بهذه المدينة أو تلك، وربما اختار شخصية تركت أثراً ويحكي عنها.
وقد يكون نصه عن الرباط من أجمل ما قدم في الكتاب، والرباط عند الحروب هي فاطمة المرنيسي، وفاطمة المرنيسي التي تريد إعادة الاعتبار إلى الحب وتوسع تنورتها الجلدية المحببة كلما زاد وزنها هي أيضاً أستورياز شمال إسبانيا «تسير فاطمة بقامتها الطويلة، تلقي جسدها العريض تحت تنويعة الملابس المغربية الريفية بألوانها الصارخة، تتلاحق رنات القلائد والحلوق والخلاخل كأنما ملكات المغرب يستيقظن من قديم الزمان».
أحياناً تظهر الذكورة في الحديث عن الأماكن كأنّها نساء. العنوان الفرعي للكتاب يؤكد الانطباع، وهو «شظايا رجل بلا مدينة». عن برلين يقول مثلاً: «قهرتني هذه المدينة الغنية بتاريخها، بدوت فقيراً معدماً أمامها. لأوّل مرة بعد غزواتي المديدة مع مدن عديدة أشعر بأني رجل بلا مدينة... ما عادت لي مدينة أتغزل بها، وألقي برأسي على صدرها وأبوح».

حكايات متناثرة وانطباعات عن أشخاص وشعراء معروفين
برلين، دمشق، الرباط، نواكشوط، مخيم كسلا، تونس، غرناطة، رام الله، لندن، إشبيلية، إستانبول، عمّان، الدوحة، تسونامي، بيت لحم، سلوان، نابلس، أزواد مالي،كامبردج، أمستردام، ساراييفو وغيرها أيضاً.
تسونامي مدينة غير موجودة في النص، يقدم صاحب «ساحرة الشعر» هنا نصاً شعرياً فقط. يهجو فيه البحر والإعصار. ومن خلالها يرثي أكثر من مكان. «أيّ مخرز هو أنت في وجه البراءة المعتمة، تفقأ عيون الفقراء، تهدم الصفيح على رؤوسهم، تنفخ بطونهم المنكمشة بالماء المالح، تملأ أفواههم الجائعة بالطين». يعني كأنّ الإعصار نجح أكثر من مرة في تقويض المكان. قوّضه على الأرض وكذلك في النص. لا أثر لتسونامي فعلاً.
في «غرناطة عشاء مؤجل مع تيسير علّوني»، يتحدث الحروب عن دعوة العشاء عند العلوني في غرناطة، التي تحولت إلى شهادة على اعتقاله في إسبانيا «كنا نعانق تيسير مصدومين ومشدوهين، نودعه عوض أن ننادمه على عشاء موعود. جاءت شرطة فرديناند وإيزابيلا لاعتقاله قبل محاكمته، على غير موعد».
الكتاب الذي كتب الروائي إبراهيم نصر الله على غلافه كلمة، تفاوتت نصوصه في اللغة والمضمون والقدرة على الاستحواذ على الذهن طوال الوقت. الشعر أو محاولة ترويض الشعر وتطويعه لخدمة بعض النصوص أفسد متعة القراءة أحياناً. لكن الحكايات المتناثرة هنا وهناك، والانطباعات المكتوبة عن أشخاص وشعراء معروفين، وقليل من التعليقات المرحة تضفي أجواءً ممتعة على النصوص.