ذلك الحضور القوي لكتاب مضى على إنجازه أكثر من تسعة عقود، من دون أن يفقد صدقه وبريقه، دفع المخرجة الفرنسيّة فيرونيك أوبوي (1961) إلى قراءة بروست بطريقة جديدة و... غريبة. بعيداً عن الأروقة الأكاديميّة، قررت أوبوي أن تكتب «سيرة حياتها وسيرة معاصريها»، من خلال تصوير قراءة كاملة للأجزاء الثمانية من «الوقت الضائع»، يتولاها قراءٌ من مختلف الأعمار والأجناس والمشارب تحت عنوان Proust Lu «بروست مقروءاً». منذ 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1993، وحتّى اليوم، صوَّرت المخرجة أكثر من ثمانين ساعة، في مشاغل الفنانين والمطابخ والمسابح العامة والمواقع الأثريّة بين فرنسا وسويسرا والمكسيك وغيرها... بعد 15 عاماً وعشرة أشهر، وصل عدد القراء إلى900، وهم لم ينجزوا حتّى
تصوّر فيرونيك أوبوي أشخاصاً يتعاقبون على قراءة العمل
أوبوي وصلت إلى لبنان أخيراً، بدعوة من بينيديكت هازي، مسؤولة شؤون السينما في البعثة الثقافيّة الفرنسيّة. طوال الأسبوع الماضي، تنقّلت المخرجة بكاميرتها بين بعلبك وصور والبترون مروراً ببيروت، وصولاً إلى طرابلس التي كانت أمس مسك الختام. رجال ونساء وشباب قرأوا مقاطع من بروست، وسجَّل كل منهم الصفحتين المخصصتين له في فيلم «بروست مقروءاً». ترفض أوبوي أن يصنَّف عملها في خانة الفيديو التسجيلي أو التجريب، إنّه «حالة فريدة في الفن المعاصر»، تصرّ.
في بيروت، عاصمة الزمن الضائع بامتياز، أعطت المخرجة نصّ بروست أبعاداً جديدة: صوّرت بعض مشاهد القراءة في باصات الحمرا، وتمهّلت عند الروشة مع السينمائي غسان سلهب قارئاً على سطح منزل أهله، ومن «حديقة سمير قصير» في وسط المدينة مع نجم الثقافة الفرنكوفونيّة ألكسندر نجار، ومن مشغل خيزران صغير في أحد أزقة فرن الشباك... ترك كلّ قارىء توقيعه على صفحته في كتاب أوبوي الذي لا يتغير، وينتقل من يد إلى أخرى إلى درجة تمزقت صفحاته وذبلت.
موعد بيروت المقبل مع «بروست» سيكون خلال معرض الكتاب الفرنكوفوني المقبل (22 /10 ــــ 2 /11)، حيث سيعرض الشريط كاملاً وبشكل متواصل. أمّا التصوير فمستمرّ إلى أن تنتهي الرواية، ويصل بنا الراوي مارسيل إلى زمنه المستعاد...