لم تمرّ أحداث تغجيجت على خير: اعتقلت السلطات ثلاثة طلاب، ثمّ وسّعت رقعة الملاحقة لتطال مدوّناً وصاحب مقهى إنترنت في ظلّ احتجاج المنظمات الحقوقية العالمية والعربية
سفيان الشورابي
بعد اندلاع أحداث تغجيجت (70 كلم شرق مدينة كلميم في جنوب المغرب) إثر تنظيم بعض الطلاب احتجاجاً مطلبياً أخيراً، اعتقلت السلطات المغربية ثلاثة من المشاركين في التحرّك، وأصدرت بحقّهم أحكاماً بالسجن. وكان الطلاب قد تجمّعوا لإعلان سلسلة مطالب، فأمر قائد قيادة تغجيجت بقمع التحرّك بعنف. هكذا، اعتُقل الطلاّب أحمد حبيبي، وعبد العزيز السلامي (وهو مدوّن أيضاً) ومحمد شويس، واحتُجزوا داخل مقر القيادة، ثمّ حوكموا بتهمة التجمّع والاحتجاج من دون ترخيص. وقد صدر بحقّهم حكم بالسجن لمدة ستة أشهر.
كان يمكن القصة أن تنتهي عند هذا الحدّ وتأخذ طابعاً سياسياً ومطلبياً لا غير. إلّا أن أجهزة الأمن، أكملت سلسلة الاعتقالات لتطال المدوّن البشير حزّام (26 سنة) مطلع الأسبوع الماضي... هكذا، اتخذت القضية طابعاً آخر يتعلّق بحرية الرأي والتعبير في المغرب. ذنب حزّام أنّه نشر على مدوّنته بياناً عن الأحداث موقّعاً باسم «لجنة الطلبة المعتقلين»، وفق ما ذكرت مصادر من «الجمعية المغربية للمدوّنين». وبعد استجوابه، عُزل حزام عن بقية السجناء في البداية، قبل إلحاقه بالمجموعة الأولى من المعتقلين. ووفق المصدر، فإن تهمة حزّام هي «نشر معلومات زائفة تضر بصورة المغرب في مجال حقوق الإنسان». كما جرى التحقيق معه بشأن مقالات أخرى نشرت على مدوّنته، وأبرزها مقالة «الوعود الانتخابية بين الحقيقة والخيال».
وأكدت مصادر الجمعية أنّ «السلطات فرضت مراقبة على مقاهي الإنترنت في تغجيجت حتى لا تتسرب الأخبار والصور لوسائل الإعلام... كما اعتقلت كلّ من تشكّ في نشره لأخبار الاحتجاجات وقمع السلطات لها، فاعتقلت صاحب أحد مقاهي الإنترنت بعدما لاحقته بتهمة حيازة منشورات». وهذا الأخير هو عبد الله بوكفو المتهمّ بحيازة منشورات «تحرِّض على العنصرية» (بيانات الحركة الأمازيغية) إلى جانب تهم أخرى تتعلّق بحيازة معلومات عن الاحتجاج.
ليس اعتقال حزّام الأول من نوعه. في عام 2008، اعتُقل المدوّن محمد الراجي، الذي انتقد في مدونته بعض تصرفات الملك، فاستدعته السلطات، وحكمت عليه بالسجن لسنتين قبل إطلاق سراحه، إثر الضغط الذي مارسه المدوّنون والحقوقيون.
إذاً، قضية البشير حزّام هي القضية الثانية من نوعها في المغرب. مع ذلك، فإنّ عدد المدوِّنين المعتقلين يفوق الرقم المُعلن. كيف؟ الواقع أنّ السلطة غالباً ما توجّه تهماً إلى المدوّنين لا علاقة لها بمضمون ما ينشرونه على الشبكة العنكبوتية. مثلاً، اعتُقل المدوّن حسن برهون بتهمة السب والقذف إثر توزيعه مناشير ضدّ أحد المسؤولين القضائيين في تطوان. إلّا أن السبب الحقيقي وراء الاعتقال كان الإزعاج الذي يتسبّب به برهون للسلطات عبر نشره أفلاماً على «يوتيوب» توثّق معاناة البسطاء، وترصد خروقَ السلطة في مختلف الميادين.
كذلك سبق أن ألقي القبض على مدوّنين آخرين للاشتباه بنشرهم مشاهد عن قمع احتجاجات شعبية، مثل حسن تيزوكاغين، مدوّن «انتفاضة سيدي إفني» على «يوتيوب». وقد قضى ستة أشهر وراء القضبان بتهمة التصوير من دون ترخيص.
وبالعودة إلى أحداث تغجيجت، فقد أصدرت المحكمة قراراً بسجن البشير حزّام لمدة أربعة أشهر، وبدفع غرامة مالية. كما صدر

توجّه السلطات تهماً إلى المدوّنين لا علاقة لها بمضمون ما ينشرونه
حكم بحقّ عبد الله بوكوفو بالسجن عاماً واحداً، ودفع غرامة مالية.
وفي حديث مع «الأخبار»، قال رئيس «جمعية المدوّنين المغربيين» سعيد بن جبلي إن الجمعية تتابع ملف حزّام من خلال حشد الدعم والتأييد عبر المدونات والشبكات الاجتماعية، إضافة إلى وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. وقد أنشات الجمعية مجموعة على موقع «فايسبوك» للمطالبة بإطلاق سراحه، وقد انضمّ إليها حتى الآن أكثر من ألف مدوّن وصحافي ومتضامن، «وقد نعلن خطوات أخرى أكثر تصعيداً» يقول.
القضية لن تنتهي عند هذا الحدّ. مطاردة بوبكر اليديب لا تزال مستمرة بهدف اعتقاله بعد تغطيته للأحداث الاحتجاجية وقمعها العنيف من جانب السلطات المحلية. وقد كتب اليديب في مدوّنته في إطار سرده أحداث تغجيجت، «في الثاني من ديسمبر، استمر الحصار... واستمرت الاعتقالات العشوائية خلال الأيام اللاحقة، ولم يسلم منهم حتى أرباب مقاهي الإنترنت، حيث وقع ضحيتهم عبد الله بوكفو، متهمين إياه بإرسال بيان عن الأحداث، وانهالوا عليه بالضرب، وسقط مغمىً عليه، حتى وجد نفسه في المستشفى ليُستجوب في مخافر القسم القضائي في الدرك الملكي في كلميم. الشيء نفسه حصل مع المعتقلين الثلاثة الذين ذاقوا مرارة التعذيب والتعنيف طيلة طريقهم من تغجيجت إلى كلميم ليُستجوبوا ويُوضعوا في الحراسة ليومين، ثم يُنقلوا إلى المحكمة ويستجوبهم وكيل الملك، ثم يُنقلوا إلى سجن خاص في ملحقة الباشوية».


احتجاجات حقوقية

أعلنت منظّمة «مراسلون بلا حدود» إدانتها الكاملة لطريقة تعاطي السلطات المغربية مع المدوّن البشير حزّام ومع عبد الله بوكفو. وجاء في البيان الصادر عن المنظمة «رغم الخطة التي قدّمتها الحكومة المغربية في تشرين أول (أكتوبر) الماضي لتحسين وتسهيل استعمال الإنترنت، بهدف تسريع انخراط المملكة المغربية في مجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي، جاءت هذه المحاكمات لتظهر عودة إلى الوراء... في موضوع حرية التعبير». من جهتها، رأت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» أن اعتقال حزّام «يأتي في ظلّ هجمة شرسة ضد حرية الرأي والتعبير في المغرب. إذ شهدت الفترة القليلة الماضية تصاعد وتيرة تلفيق القضايا الجنائية ضد الصحافيّين والمدوّنين».