الرباط ــ محمود عبد الغنيإشكاليّة «المثقف والسلطة» تكاد تكون محوراً أساسيّاً في الثقافة العربية. والرواية لم تكن يوماً بعيدة عن هذا الهاجس، في خوضها غمار التاريخ والسياسة والصراع الطبقي، ورصدها تجربة والفرد في مواجهة المجتمع والدين والأسطورة... وفي هذا السياق يندرج كتاب أمين الزاوي الجديد «عودة الأنتلجنسيا ــــ المثقف في الرواية المغاربية» (دار النايا ـــ دمشق). لعل فكرة الكتاب تجد جدورها في مسيرة هذا الباحث والروائي نفسه. قبل عامين ونيّف أقيل من منصبه على رأس «المكتبة الوطنية الجزائرية» بسبب استضافته أدونيس في ندوة تطرّقت إلى الأوضاع السياسية والثقافية والدينية في العالم العربي. قرار الإقالة الذي اتخذته وزيرة الثقافة خليدة تومي، تبعته ردود فعل من قبل الأنتلجنسيا الجزائرية التي وجهت رسالة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تطالبه بالعدل، وعدم الاستماع فقط لما يقوله مصادرو حرية التعبير والفكر. إذاً، كان المؤلف شخصية حقيقة في رواية حدثت واقعياً. فكيف عالج هذه العلاقة المتوترة بين المثقف والسلطة في الرواية المغاربية باعتبارهاً جنساً تخييلياً يعيد إنتاج وقائع التاريخ؟
يتوزّع الكتاب على محاور عدّة، بينها المثقف والصراع في المغرب العربي، الأنتلجنسيا الأدبية الروائية من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الاستقلال... تدعونا إلى رحلة في أرجاء الرواية المغاريبة. يتناول الزاوي علاقة المثقف بالمجتمع، وتطور المثقف

بحث مفصل في البنية الدينية للمثقف المغاربي
المغاربي. وهما قضيتان يرى الباحث، أنهما أثرتا على المسار التاريخي للمجتمع المغاربي، سواء خلال مرحلة التحرير الوطني أو في زمن دول الاستقلالات السياسية. هذه الاستنتاجات استُخلصت من أهم النصوص الروائية في المغرب وتونس والجزائر. وقد وقف الباحث عند تطور الرواية المغاربية بالفرنسية والعربية، لأنهما يكشفان العلاقة بين الشرق والغرب.
ويبحث الزاوي في البنية الدينية للمثقف المغاربي والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الذي أفرز مثقفاً سياسياً. هذا المثقف راح يبحث عن مكامن العجز العربي الذي أنتج هزيمتي 48 و67... كما يقف عند التشكل الروائي لمسألة الصراع العربي الإسرائيلي عبر حرب أكتوبر التي شارك فيها المغاربة مع القوات العربية الأخرى... إذ اتخذ المثقف من الحديث عن الحرب وسيلةً لقراءة طبيعة علاقة السلطة العربية بالقاعدة التي تخوض الحرب. ويخلص الزاوي إلى أنّ موقف المثقف في الرواية المغاربية، من قضية الصراع العربي الإسرائيلي يظل موقفاً دينياً وعاطفياً، يحتاج فيه المثقف إلى «صياغة جذرية لمقولات حول الشرق الأوسط الذي زيفه إعلام العرب والغرب على السواء». هذه الأوهام تُضاف إلى أوهام أخرى راكمها هذا المثقف عن الغرب المتعدد. والنتيجة هي استلابه، فتشكّل الغرب في وعيه فردوساً مفقوداً.