دق محمد بنّيس ناقوس الخطر، بعد تدهور أحوال المؤسسة العريقة. الشاعر المغربي الذي أطلق التجربة عام 1996، وجه رسالة مفتوحة إلى الرئيس الحالي نجيب خداري
الرباط ــ محمود عبد الغني
منذ مدة والشعراء المغاربة يرثون انهيار بيتهم المشترك. «بيت الشعر في المغرب» بلا جدران، والرياح عصفت بسقفه فخلعت أبوابه ونوافذه. تلك الرياح العاتية هي نفسها التي حملت أخيراً «اتحاد كتاب المغرب» كورقة خفيفة. القيّمون الجدد على «بيت الشعر» أرادوا تغيير الصورة، فتابعوا إصدار مجلة «البيت»، في حلّة تفوق أحياناً باحترافيتها كبار الناشرين المحترفين. استمروا أيضاً في منح «جائزة الأركانة» لشاعر عالمي كل عام، وقد كانت من نصيب الشاعر العراقي سعدي يوسف العام المنصرم. حافظ البيت على هيئته الاستشاريّة التي تضم أسماءً لامعة من كل الأقطار، كما أبقي الاحتفال بـ«اليوم العالمي للشعر». لكن كما يقول المثل الشعبي المأثور «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».
رغم كل ما تقدّم، يصعب التغاضي عن واقع أنّ البيت أصبح كياناً غير مرئي، أو في أحسن الأحوال لا يشبع العين. ما الذي حدث ويحدث؟ ما هي الجهة/ الجهات المتربصة به؟ لماذا يتفرج الشعراء على رجلهم المريض؟ ولماذا يهز المسؤولون عن البيت أكتافهم استخفافاً بكل جرس يدق؟ والسؤال الأخطر: هل أصبح الشاعر المغربي خصوصاً، والمثقف عموماً، مثالاً لنسيج الإنسان الفاسد؟
بقي ماء البحيرة راكداً إلى أن نشر الشاعر ومؤسس «بيت الشعر في المغرب» محمد بنيس رسالة مفتوحة إلى رئيس «بيت الشعر في المغرب»، عنونها «الخوف من المعنى». وجاء في رسالة بنيس إلى الرئيس نجيب خداري الذي عيّن خلفاً للرئيس السابق الشاعر حسن نجمي: «سنة مضت، إذاً، على تعيينك، بصفتك الحزبية، رئيساً لهذه المؤسسة، التي لا أزال أتذكر أنني كنت أحد المعلنين عن تأسيسها ورئيسها لثلاث دورات من 1996 حتى 2003. وأتذكر أنني نجحت، بفضل أصدقائي من الأعضاء (...)، في إعطائها معنى التأسيس، بعيداً عن كل وصاية (...). قبلك، كان حسن نجمي قرّر الاستيلاء على «بيت الشعر في المغرب»، بمؤازرة أعضاء سياسيين. وقد رأى في هذه المؤسسة غنيمة لا توازيها غنيمة أخرى، بعدما كنت عملت، مع جماعة من الأعضاء (...) على أن تصبح هذه المؤسسة، في فترة محدودة من الزمن، منارة دولية للشعر والشعراء المغاربة». يرثي بنيس في رسالته «بيت الشعر» الذي أصبح بين أيدي السياسيين لا بين أيدي الشعراء كما أريد له. إنها عودة السياسي لإخضاع الشاعر، بعدما كان هذا الأخير قد انتصر بقوة في معركة تحرره من أي تبعية برأي بنيس.
ويعود بنيس في رسالته ليستدرك قائلاً إن المشكلة ليست في السياسي أو معه مطلقاً، بل مع من يفرضون الرقابة على حقيقة السياسي، فيجعلونها لا تقبل التعدد والاختلاف واللانهائي، «فيما

وصاية سياسية تصادر الشعر وتدجّن أهله

الضرورة تفترض أن العلاقة يجب أن تكون عكسية، أي أن يستنير السياسي بالشعري الذي فضاؤه هو تعدّد المعنى واختلافه ولانهائيته». والنتيجة الفورية بالنسبة إلى محمد بنيس كانت الخوف من المعنى، أي تنفيذ الإعدام المدني في حقه، «بمباركة من الرئيس الأسبق وأعضاء كانوا، كغيرهم، من أقرب الناس إلى نفسي»، يقول الشاعر، «لكنهم نفذوا الأمر بعد بيع حريتهم مقابل مناصب وعطايا...»، مطالباً الرئيس الحالي بإلزامية احترام «بيان التأسيس» و«الميثاق».
أما رئيس البيت الأسبق الشاعر حسن نجمي الذي توجّه إليه بنّيس في أكثر من موضع، فيرى أن الرسالة لا تعنيه مباشرة، ما دامت موجهة إلى الرئيس الحالي نجيب خداري، ومن خلاله إلى هيئة «بيت الشعر». ويرى أنّها ليست المرة الأولى التي يُذكر فيها اسمه بوضوح، في «سياق الاتهام والتجنّي، وفي نص عمومي لأخينا وصديقنا وأستاذنا الشاعر محمد بنيس»، متمنياً ألا يكون ذلك نابعاً من «الشعور نفسه بالخوف من الفعل السياسي أو الانتماء السياسي مع أنّه فعل مدني حضاري نبيل...»، داعياً بنيس إلى مناظرة عامّة. أما نجيب خداري، الرئيس الحالي لـ«بيت الشعر» الذي يحمّله الجميع مسؤولية تردّي أحواله، فلم تسمع منه كلمة حتّى اليوم.