أجمع المشاركون في «ندوة الرواية العربية والنقد» التي أقيمت أخيراً في بيروت، على تأخّر النقد عن النص الإبداعي الذي يُكتب اليوم
زينب مرعي
غاب الناقد المصري جابر عصفور عن «ندوة الرواية العربية والنقد»، لكن جملته الشهيرة «إننا نعيش في زمن الرواية» التي أطلقها في التسعينيات، كانت الأكثر تناقلاً بين الأكاديميين والكتّاب العرب الذين جمعتهم «ندوة الرواية العربية والنقد» في 8 و9 كانون الثاني (يناير) في أحد فنادق بيروت.
في الندوة التي نظّمتها «الدار العربية للعلوم ـــــ ناشرون» بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانيّة، ضمن «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، شرح الناقد المصري حسين حمودة تداعيات مقولة عصفور التي أدّت إلى سجال ساخن في حينها، بما أنّ بعضهم رأى فيها «زحزحة» أو نفياً للشعر الذي بقي الجنس العربي الأول لقرون طويلة. ثم تناوب محاضرون آخرون على شرح أصول الرواية العربية التي كانت نتيجة تطوّر النثر الفني، مثل المقامة والسيرة. وأضافت الكاتبة السوريّة شهلا العجيلي أنّ الرواية لم تصل إلى صفاء النوع الفني إلا في الخمسينيات «في مرحلة وسط بين الخروج من الرومانتيكيّة والدخول في الواقعيّة». كذلك رأت العجيلي أنّ الرواية رافقت مختلف التحولات السياسية والتيارات الأدبيّة، من الكلاسيكيّة إلى الرومانتيكيّة والواقعيّة. وهي برأيها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمرحلة التي تنتجها. وبينما رأى الناقد الأردني فخري صالح أنّ الرواية تاريخ موازٍ للبشر تتداخل معه وتعبّر عنه، عارضه الناقد الفلسطيني فيصل درّاج، مشيراً إلى أنّ الرواية تعبّر عن التاريخ الجوهري ولا تسير في خطّ مستقيم مع المجتمع. كذلك تبنّى معظم المحاضرين نظريّة الكاتب الفرنسي في القرن التاسع عشر، ستاندال، في أنّ الرواية مرآة للمجتمع. بينما أجابت العجيلي عن سؤال غياب الجانب الفكري في الرواية العربية بالقول: «ليس مطلوباً من الروائي أن يضع المقولات النظريّة في قالب فنّي. يجب أن تكون لديه المعرفة، لكن أن يستعمل ملكته السرديّة».
ومع أنّ المشاركين اتفقوا على أنّ الرواية العربية بخير، إلا أنّ موقفهم إزاء النقد كان أكثر تشاؤماً. إذ أجمع المحاضرون بينهم واسيني الأعرج، الطاهر وطّار ومرزاق بقطاش، على تأخّر النقد عن النص الأدبي الذي يُكتب اليوم. «هل حقّق النقد الروائي العربي، من موقع تجربته الخاصة، إضافةً معرفيّة في مجال الدراسات السرديّة العالميّة، أم هي ثقافة النقل عامة في مختلف حقول التناول البحثي الإنساني تكتفي عادة بابتسار المنظومة المعرفيّة واختصارها بصفة مخلّة والخروج بها من سياقها التفاعلي

بقيت الرواية طويلاً في قبضة النقد الإيديولوجي
إلى ساكن المعنى؟». هذا السؤال طرحه الناقد والروائي التونسي مصطفى الكيلاني. أما الإجابات التي حُصدت من مداخلته ومداخلات الأكاديمي المغربي عبد اللطيف محفو والناقد الجزائري السعيد بوطاجين، فجاءت لتضيف أنّ النقد العربي نقل كثيراً عن الغرب، وأنّ معظم النقّاد الذين أدخلوا جديداً إلى الحياة الأدبيّة العربية كانوا يعيشون في الغرب. إذ رأى بوطاجين أنّ الرواية بقيت طويلاً «في قبضة النقد الإيديولوجي، وأهملت أدبيتها لحساب الموضوعات والمواقف والرؤى، ما أسهم في ظهور جدل ضحّى بالجمال والأشكال، باستثناء دراسات قليلة اقتربت من الجوانب الفنيّة.
ومن أجل دعم الجوانب الفنيّة في الرواية العربيّة، أشار مصطفى الكيلاني إلى احتياجنا المعرفي والمنهجي لعلم السرد والتأويليّة السرديّة. إلّا أنّ بوطاجين ذهب أبعد من ذلك وتساءل عمّا قدّمه علم السرد للرواية (وفق منهجيّة جيرار جينيت). وشرح أنّ «الطبيعة الواصفة للمنهج تحتّم عليه عرض العمل الروائي في بنياته السرديّة المختلفة، من دون أي تقويم، ما يعني أنّ العرض الحيادي للأثر لا يخدم مستقبل الرواية من حيث إنّه لا يرى إلّا ما هو قائم. من هنا، فإنّه لا يقترح أبداً ما يجب اقتراحه على صاحب الرواية رغم نيّته في ذلك». لكن الصورة المشرقة بالنسبة إلى بوطاجين تكمن في الاستثناءات القليلة في الساحة الأدبيّة المتمثّلة في الروائيين المسهمين في الحركة النقديّة أو النقّاد الذين يكتبون الرواية.