فيصل السمرة يواصل تحريف الواقعنوال العلي
بعدما قدّم نفسه فريسة سهلةً لخداع الصور في معرضه «واقع محرَّف» في «دارة الفنون» في عمّان (راجع «الأخبار» عدد ٢٨/ 11/ ٢٠٠٧)، إذ كان هو موضوع الصور وتجهيزات الفيديو، يتابع فيصل السمرة صيد الفرائس أو الكشف عن مصيرها، في معرض تحتضنه «غاليري البارح» في المنامة. المرأة المحجوبة موضوع جزء كبير من أعماله ضمن مشروع شغله لسنوات ولازمه أيضاً العنوان نفسه «واقع محرَّف». وهذا المعرض الرابع هو الأخير في السلسلة.
الموضوع عند السمرة بات واضحاً، الفنان السعودي لا ينحرف عن طريقته المعتادة في نقل الأشياء، ولا ندري إن كان هذا مما يؤخذ عليه كتكرار أو يحسب له كمشروع متكامل. تحيلك الصور إجمالاً على أعمال السمرة السابقة، حتى ليبدو لك أحياناً أن المشروع هو حالة من الريمكس، وإن اختلفت شخصية الموديل. مع ذلك، ينتمي السمرة (1955) إلى فئة عربية قليلة، وسعودية نادرة، من الفنانين الذين يمتلكون شجاعة التجريب والتنقل بين أساليب الفن المختلفة. هو لم يترك مساحة فنية إلا جرّب فيها من الأيقونات إلى الخط فالرسم وصولاً إلى الغرافيك والتجهيز بالفيديو، واحدة من أحدث تقنيات الفن المعاصر. وبدلاً من اللعب بالمساحات أو الأشياء أو الأشخاص، يتلاعب السمرة بالصور. إنه يحاكي ما يحدث في أروقة العالم الافتراضي، وشاشات الفضائيات، ووسائل الاتصال على تعددها وتغوّلها في العصر الحديث وقدرتها على إظهار الحياة الفعلية مسخاً بجانبها.
يتلاعب بالصور ويحاكي أروقة العالم الافتراضي
هذا الفنان السعودي يعمد دائماً إلى إخفاء الوجوه. الوجه جزء من دائرة الشكوك، بحيث لا يمكن التعرف إلى أبطال الصور. المرأة منقبة في معرضه الجديد، ترتدي العباءة السعودية السوداء، وتقوم بحركات أدائية كموديل أمام العدسة. تحمل في يدها شيئاً يشبه فخذاً أنثوية ملفوفة كقطعة لحم كُتب عليه «اللحم العربي». تذكّرنا هذه المرأة الموديل بشخصية الأعمال في معرضه الأردني السابق. وهي شخصية الرجل الملثم الذي يقوم بحركات عدوانية، مستخدماً قطعة قماش. ولدى استعادة أعماله هذه وتلك، نلحظ ميل الفنان الذي درس الفن في باريس، إلى إدخال الخط واستخدام الكلمات.
ومن ضمن الأعمال الجديدة، صورة بعنوان «القدرة الاقتصادية العالمية» حيث يظهر كرسي مذهب منتفخ كأنه كرش وحالك بلون النفط وقد وضع على شاطئ أحد الخلجان.
يعرض السمرة تجهيزين بالفيديو: أحدهما «من الأرض إلى الأرض»، والثاني «التحديق في الحفرة». الاثنان مرتبط أحدهما بالآخر. يمثل الأول حفرة بطول الإنسان، يظهر منها بعض من رأسه فقط. ويصفه السمرة بأنه «تذكير بواقع الإنسان الحقيقي الذي يسير إلى جانب الافتراضي الذي يعيشه». وقد استوحى الفنان فكرة الفيديو الثاني خلال تحديقه في الحفرة من الأعلى. بالنسبة إليه «التحديق في الحفرة» هو بمثابة إشارة إلى أن هناك فجوة تطورت في ذاكرتنا العقلية والبصرية، وهي كبيرة إلى الحد الذي لم يعد بإمكاننا رؤية هوياتنا الحقيقية عند النظر إلى المرآة، فـ«نحن نرى أقنعتنا فقط».
حين تقرأ نظرية السمرة عن مضمون ما يقدّمه من فن، ستجدها عظيمة ورائعة حقّاً. لكن قوة ما يردّد منذ بدأ مشروعه «واقع محرَّف» عام 2005 (يمكن تعريفه بأنه سلسلة من الفيديو آرت والصورة بطلها غالباً السمرة نفسه، سجلها باستخدام التصوير الرقمي والغرافيك والفيديو) لا تتجسد في أعماله بالدرجة نفسها. حتى إنّ ما يفعله يبدو سقفه أخفض مما يقول عما يتعرّض له أبناء هذا العصر من مطاردة منتجي الصورة المبهرجة، وغير المبهرجة، للحيوات اليومية ومحاولتهم إعمال التشويه في الواقع. وهذا ليس تقليلاً من شأن الأعمال، بقدر ما هو تعبير عن المتوقع من فنان مغامر وبين ما هو موجود حقاً.

حتى 7 نيسان (أبريل) المقبل ــــ «غاليري البارح»، المنامة، البحرين ــــ +97317713535
www.albareh.com