أخضعت «فرانس 2» ثمانين مشاهداً لإختبار نفسي غير مباشر، يُظهر خطورة الشاشة الصغيرة. «لعبة الموت»، أو... كيف تحوّل المواطن إلى قاتل
صباح أيوب
هل أنت خاضع لسيطرة التلفزيون؟ إلى أيّ مدى تتحكّم الشاشة في تصرفاتك وعقلك؟ كم تُمضي «برفقتها» يومياً؟ هل تقبل الخضوع لاختبار نفسي يجيب عن هذه الأسئلة؟ هذا بالضبط ما فعله أخيراً المخرج كريستوف نيك على شاشة «فرانس 2»، إذ إنّه أخضع ثمانين فرنسياً لاختبار نفسي على الهواء... من دون معرفتهم! نيك الذي أعدّ سابقاً أكثر من فيلم وثائقي وبحث عن التأثير النفسي للإعلام المرئي في الإنسان، نفّذ تجربة جديدة ليبيّن مدى خضوع العقل والإرادة البشرية لأوامر التلفزيون.
ثمانون فرنسياً، اختارتهم بعناية شركة تسويق، وشاركوا في تصوير حلقة تلفزيونية مزيّفة، أُوهموا بأنها حلقة من برنامج ألعاب جديد. ولكل مشترك، كان هناك شريك (ممثل) اختارته إدارة البرنامج ليلعب معه. وإذا أخطأ الممثل في الإجابات، يستطيع المشتركون أن يعاقبوه بشحنة موجات كهربائية تبدأ بثمانين فولتاً وتصل إلى 460 (وهي درجة قاتلة). البرنامج المزّيف سُمّي Zone Extreme. أما الاختبار النفسي فحمل اسم «لعبة الموت». والنتيجة كانت صادمة: أولاً وافق ثمانون مشتركاً بسهولة على معاقبة شخص لا يعرفونه بشحنات كهربائية لمجرّد أن قواعد اللعبة التلفزيونية تفرض ذلك. ثانياً، أكثر من ثمانية أشخاص من بين عشرة من المشتركين وصلوا إلى تنفيذ درجات العقاب القصوى، أي إلى الـ460 فولتاً القاتلة! 81% من المشتركين وافقوا على قتل شخص لمجرّد الرغبة في تنفيذ أوامر التلفزيون، والمشاركة في إحدى ألعابه.
هي قواعد اللعبة التلفزيونيّة إذاً، والخضوع لحكم الشاشة التي طبّقت خلافاً لكل إرادة واعية أو أخلاق يتحلّى بها المشتركون، الذين خضعوا للاختبار النفسي.

81% من المشتركين وافقوا على قتل شخص تنفيذاً لشروط البرنامج
حجج كثيرة ساقها المشتركون لتبرير قبولهم تنفيذ العقاب «لا يمكن التلفزيون أن يدعنا نقتل أحداً على الهواء»، أو «إنها مجرّد لعبة» أو «طالما لست أنا من يخضع للشحن الكهربائي، فإنني موافق»، هكذا برّر بعضهم تنفيذهم للعقاب خلال الحلقة رغم سماعهم أنين «الشريك» بعد شحنه بالكهرباء. كل ذلك في وقت كانت فيه مقدمة البرنامج (المزيّفة) تؤدّي دور المطَمْئِن، فهي تقول للمشتركين أن «يتجاهلوا صراخ شريكهم»، وتؤكد لهم أنّ «التلفزيون يتحمّل كل العواقب».
في المحصّلة، أظهر المشاهدون الفرنسيون أن معظمهم خاضعون نفسياً وعقلياً لحكم التلفزيون، وهم رهائن سلطة الشاشة ما داموا يشتركون في لعبتها. «هذا يبيّن أنّ التلفزيون يملك اليوم قدرة على التأثير تفوق الأنظمة الباقية، التي من بينها الدين»، يستخلص البروفسور في علم النفس الاجتماعي، جان ليون بوفوا، الذي أشرف على التجربة التي تحوّلت إلى شريط وثائقي. بوفوا قال لموقع «إكسبرس» الفرنسي إنّ التلفزيون بات اليوم يتلاعب بالمشاهدين ويقدّم إليهم «أيّ شيء» كمادة للتسلية، ويضيف إليهم محفّزاً للخضوع أكثر فأكثر للأحكام الاجتماعية. «نحن خاضعون للأوامر لأنّ كل تربيتنا قامت على ذلك»، يشير بوفوا، الذي أعرب عن استيائه من نتائج الاختبار، وصدمته من المشاركين، الذين ذهبوا إلى الحدود القصوى، ولم يُظهروا أيّ تعاطف إنساني مع الآخر، رغم أنّ بعضهم بكى حزناً، وندم على ما فعله بعد ما اكتشف حقيقة اللعبة.