لم يعد أحد يفهم ما الذي أصاب هذا المبدع السوري. بعد «صراع على الرمال» الذي قدّم صورة تجميليّة وباذخة عن البدو، ها هو يشرّع «أبواب الغيم»، بوحي من أشعار حاكم دبي، وبمباركة من خيراته
وسام كنعان
لا شك في أنّ حاتم علي أحد أهم المخرجين في الدراما العربية. ولا شك في أنه أسهم في نشوة الدراما السورية عبر مجموعة كبيرة من الأعمال، وخصوصاً تلك التي أنتجتها «شركة سوريا الدولية». من جانب آخر، لعب دوراً أكثر عمقاً من كونه مخرج دراما. لقد كوّن مع مجموعة من المخرجين السوريين معادلاً موضوعياً لملء الفراغ الذي خلّفه غياب الأكاديميات الخاصة بتعليم الإخراج في سوريا. هكذا، تتلمذ على يديه مخرجون قدموا نتاجات هامة لاحقاً بينهم: سامي الجنادي، وسامر برقاوي، والمثنى صبح، وعلي محيي الدين علي، وأحمد إبراهيم أحمد.
مع ذلك، لم يعد أحد يدرك ماذا حل بالمخرج المبدع منذ أكثر من سنتين، وتحديداً بعد تخلّيه عن شراكته مع «سوريا الدولية» التي كانت تُنتج أغلب أعماله، وتأسيسه «شركة صورة للإنتاج الفني». منذ ذاك الوقت، والرجل يقف بعد كل مشروع يقدّمه ليرفع يديه أمام النقاد ويرد بحجج منطقية حيناً ومبررات معدة سلفاً أحياناً. هكذا كانت الحال بعد الدراما البدوية «صراع على الرمال» التي قدمت صورة تجميلية وباذخة إنتاجياً عن البدو بوحي من أشعار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وبدعم من أمواله. فيما عاد حاتم ليخبرنا بأنّه قدم فيلم «سيلينا» عن مسرحية «هالة والملك» ليس كفيلم تجاري كما سماه النقاد بل من باب إعادة الجمهور السوري إلى الصالة. ثم سرعان ما تنصّل حاتم من مسؤوليته في دراما «رجال مطلوبون» الذي هو نصّ فنزويلي معرب، ليقول إنّه ليس أكثر من منتج لهذا العمل رغم يقينه بأنّ صاحب المال هو الذي يملك الكلمة الفصل في أي مشروع درامي.
اليوم، يعكف حاتم علي على إنجاز خطوته الثانية في سلسلة الأعمال البدوية مع «أبواب الغيم» ولا ندري إلى أين ستمضي قافلة الدراما السورية. المسلسل الجديد هو من وحي مخيلة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأشعاره البدوية، وبمباركة من أمواله الطائلة التي ستصنع دراما مترفة، محشوة بالمبالغات الفنية إلى درجة أنّ البدو لن يتعرّفوا على أنفسهم فيها.
«مسلسل «أبواب الغيم» يختلف عن أعمالي الإخراجية السابقة. هنا أتوجّه إلى تقديم عمل أكثر التصاقاً بالمكان والزمان، ويرصد مصائر مجموعة من الناس في مرحلة مضطربة من تاريخ شبه الجزيرة العربية، من خلال متابعة علاقاتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم» قال حاتم علي خلال مؤتمر صحافي حضره الشيخ محمد بن راشد، وأقيم في خيمة بدوية في موقع التصوير في صحراء الإمارات... ربما كي يضعنا في أجواء المسلسل.
لطالما كانت الصداقة التي تجمع الشيخ محمد بن راشد وحاتم علي ترجِّح هذا الأخير لتقديم عمل مماثل يرى فيه المخرج السوري عموماً أنه يتوجه إلى جمهور ليس بالضرورة سورياً. على اعتبار أنّ من يهتم بهذه الدراما ليسوا سوريين. وهنا ربما صار علينا كمتابعين للدراما أن نعيد الحسابات، كي نرى إلى أي دراما بات حاتم علي ينتمي: هل ذهب نحو التخصص في الدراما البدوية التي لا تحاكي ولا تلامس أياً من قضايا عصرنا الجوهرية التي يفترض بالدراما أن تقابلها وجهاً لوجه؟
من جهته، يقول السيناريست عدنان العودة الذي أعد السيناريو لمسلسل «أبواب الغيم» إنّ عنوان العمل هو عنوان مجازي شعري، على اعتبار أنّه سيقدم مجموعةً من قصائد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ويؤكد العودة أن العمل سيحكي عن الخيل بصورة مجازية أيضاً باعتباره رمزاً لكرامة الإنسان العربي. كذلك، فإنّ العمل

سيحكي المسلسل عن الخيل بصورة مجازية باعتباره رمزاً لكرامة الإنسان العربي!

سيرصد تطور الحياة في شبه الجزيرة العربية من خلال شبكة من العلاقات الإنسانية التي تركز على المفاهيم والتقاليد التي كانت سائدة عند البدو. وسيتحول العمل من خلال هذه العلاقات إلى ملحمة إنسانية تركز على علاقة البدوي بالتفاصيل المحيطة به، وبصحرائه التي تعلَّم كيف يتعامل معها، إضافة إلى علاقته بالخيل الذي هو شريك أساسي له ضمن معطيات الحياة التي تسيطر عليها ظروف متقشفة وبسيطة.
هكذا، سيحتفل الجمهور العربي بكوكبة من النجوم السوريين والعرب الذين سيجسدون أدوارهم في الدراما البدوية التي ستكون جاهزة للعرض في رمضان المقبل على محطات «مؤسسة دبي للإعلام». ومن بين هؤلاء الممثلون: غسان مسعود، وفارس الحلو، وقصي خولي، ونجاح سفكوني، وهبة نور، إضافة إلى نادين نجيم، ومحمود سعيد، وجميل عواد، وعبد المحسن النمر، ونادرة عمران وآخرين. التصوير الذي انطلق منذ مدة في صحراء الإمارات انتقل أخيراً إلى صحراء مراكش في المغرب ثم سيحط رحاله في تدمر.
الدراما السورية قامت على جهود نجومها ومنهم بكل تأكيد حاتم علي. لكن أعمالاً مثل «صراع على الرمال» و«أبواب الغيم» ستفقد هذه الدراما جمهورها المحلي على أقل تقدير. كي تتوجّه إلى جمهور الخليج.


تشويه صورة البدو

في ما مضى، كانت الدراما السورية تصنع أعمالاً بدوية يبثها التلفزيون السوري. يومها، كان بعض النجوم السوريين يقاطعون هذه الدراما بحجة أنّها تقدِّم صورة متخلّفة عن الإنسان العربي وتاريخه من خلال القيم والتقاليد التي تتبناها كالثأر. لكن بعد «صراع على الرمال» و«فنجان الدم»، اختفت تلك الأصوات وصارت غالبية النجوم السوريين تعتبر أن أي نقد نوجّهه إلى العمل البدوي، يحمل عنصريّة تجاه البدو. فيما ما زالت بعض الأقلام، منها الروائية لينا هويان الحسن (الصورة) التي خرجت من البادية السورية تنظر إلى كل الدراما التلفزيونية البدوية على أنها تقدم صورة مشوّهة عن البدو.