«محور الشرّ» تمركز في «كتانة ــ كونيغ»سناء الخوري
السيد حسن نصر الله في الوسط، وحوله بشار الأسد، وخالد مشعل، ومحمود أحمدي نجاد. كيف وصل قادة «محور الشرّ»، بتعبير جورج بوش الابن ـــــ إلى فضاء «نائلة كتانة ـــــ كونيغ»؟ نجد هنا لوحات كبيرة تتوسطها رسوم لهؤلاء، بملابس ورديّة وفوسفوريّة. كل لوحة تحمل عنوان أغنية شهيرة. في المساحة الباقية، لوحات صغيرة تحتفي بأنواع البهارات الممنوعة في قطاع غزّة المحاصر. في لوحة أخرى، نجد القادة الأربعة يركبون سفينةً، تتوجه إلى غزّة، تيمّناً بمآثر «أسطول الحريّة». كلّ هذا وأكثر جمعته زينة الخليل (1976) في معرض «...وعلي ما معو خبر». يستمرّ معرض التشكيليّة اللبنانيّة الشابّة حتّى منتصف الشهر المقبل، قبل أن ينتقل إلى «غاليري تانيت» في ميونخ (ألمانيا) مطلع أيلول (سبتمبرعند الحد الفاصل بين الرمز والكيتش، وبين التزيينيّة المطلقة وكوميديا الموقف، يبدو المضمون السياسي لأعمال الخليل هامشاً ملتبساً مفتوحاً على التأويلات... تحت طبقة سميكة من الزخرفة. الأعمال المعروضة استعادة طريفة وجريئة لأحد تذكارات حرب تمّوز 2006. لم ينسَ اللبنانيون تلك المناشير التي ألقتها الطائرات الإسرائيليّة بالآلاف فوق العاصمة لتحريض «أهالي بيروت» على المقاومة. وقع بعضها في يد صاحبة «بيروت، أحبكِ» (يوميات نشرتها عام 2008). يومها رسم الإسرائيليون نجاد والأسد ومشعل يعزفون على مزامير. رسموا أيضاً ثعباناً يشبه نصر الله، يسأل العازفين: «أي خدمة؟». وجدت الخليل في المناشير «فعلاً عنفياً»، كما تقول لـ«الأخبار». «شعرت بأنّني منتهكة ومستفزّة، لهذا قررت أن أتلاعب بالرسم وأجرّده من بعده العنفي»، تضيف.
زينة الخليل التي تقول إنّها «تابعة لحزب الحبّ»، أعادت صياغة المنشور بلغتها. نزعت الأسماء عن الشخصيات، ووضعتها على مسافة من رمزيتها المعروفة. حوّلتها إلى مادة للخلق. في النهاية، خلصت إلى مضمون بصريّ يعجّ بالزهري، والألوان البراقة، والزينة، والكثير الكثير من البهرجة. أساسات اللوحة، ترسمها صاحبة «السلام عليكم» (تجهيز ـــــ 2009) بالألوان المائيّة الفاتحة، ثمَّ تضيف عليها بناءها المزركش الأثير. بناء من الساتان، والدانتيل، والكوفيات... تضاف إليه زخرفات تجمع الأرابيسك ورسوم الحنّة العربيّة، والأضواء، والملاعق الذهبيّة، والطيور الاصطناعيّة، والأزهار البلاستكيّة... هكذا، نجد أنفسنا أمام كولاج ضخم من المواد المشعّة المثبّتة بالدبابيس. يتحوّل المعرض إلى تظاهرة من تدرّجات الضوء واللون الزهري ــــــ بما يحمله اللون من معاني الوهم أو الحلم أو القطيعة مع الواقع.
هذا التطريز (الصعب طبعاً)، يحيلنا إلى التزيينيّة الجديدة في الولايات المتحدة خلال السبعينيات. قام هذا التيار بالتزامن مع الحركات المطلبيّة المثليّة والنسويّة، وجاء ردّة فعل على المينماليّة. رفض رواده تحويل مساحة اللوحة إلى فراغ، وجعلوا من الزينة مادتهم التشكيليّة الخام. تخبرنا الخليل بأنّها درست في نيويورك على يد التشكيلي الأميركي توماس لانيغان ـــــ شميدت، أحد رواد التيار، ومنه استلهمت أهميّة الضوء، كعنصر مضاد للعنف والخوف والقلق. «كلما كان هناك نور أكثر كان هناك موت أقلّ، لهذا يطغى الضوء على أعمالي كتأكيد للحياة، وكموقف إبداعي»، تقول الخليل.
وسط حمّى التزيين هذه، تجد الخليل وقتاً للمشاغبة، بواسطة رموز أصبحت أليفة بالنسبة إلى متتبعي أعمالها. جنود، وأسلحة رشاشة، ودبابات، وطائرات حربيّة من البلاستيك، كلّها مطليّة بالوردي. تدسّ الخليل بين زخرفاتها صوراً لرياضيين شبه عراة، وملصقات لمقاتلين من الحرب الأهليّة، وآخرين ملتحفين بالكوفيات. هناك ثنائية واضحة هنا: ها هي تحاصر عناصر الذكورة (الأسلحة، الرجال العراة،...) بذخيرة أنثويّة من الدانتيل والنجوم البراقة. لكنّها في الوقت ذاته، تدخل لعبة وعرة مع الرموز والأيقونات.

يبدو المضمون السياسي للأعمال هامشاً ملتبساً تحت طبقة سميكة من الزخرفة
في إحدى اللوحات، ترسم هالة حول رؤوس شخوصها. في مكان آخر تكثّف من استعمال الكوفيّة، إضافةً إلى نسخات ورديّة من صورة أبو غريب الشهيرة. تحوّل تلك العناصر المسيّسة في المبدأ إلى مفردات في قاموسها التزييني اللاسياسي. إنّه الكيتش يحتلّ كامل المساحة. هنا يتحوّل الجندي رمز العنف، إلى جندي وردي، إلى كيتش... وكذلك الأمر مع البهارت الممنوعة في غزّة، والكوفيات.
تنزع زينة الخليل عن الرموز والأيقونات معانيها السائدة. تنثرها فوق لوحاتها الملتزمة... بجعل مساحة النور في واقعنا أكبر. نستعيد هنا ما كتبه ميلان كونديرا في «خفّة الكائن التي لا تحتمل»: «الكيتش يزيح من المرآة كلّ ما هو غير مقبول في الوجود البشري»، أي إنّه تمجيد لما هو سائد ومسالم في واقعنا. أمّا نقيض الكيتش «فهو الإنسان الذي يسأل»، بحسب كونديرا. إلى أيّ حدّ ترفع زينة الخليل سقف أسئلتها هنا؟ وهل نجحت في تفادي مجانية الاستعارة؟ إن أخذنا بتحليل لوسيان غولدمان الاجتماعيّ للفن، يمكن القول إنّ كلّ تلك الزخرفة صنعت لتبثّ «رؤيةً للعالم» بحسب زينة الخليل: إنّه باختصار حائط فارغ وقلق، يجب ملؤه بالزينة والنور والحب.

حتّى 13 آب (أغسطس) ـــــ فضاء «نائلة كتانة ـــــ كونيغ» (جفينور ـــــ بيروت). للاستعلام: 01/738706


قدّيسون ودمى و«سوبر ستارز»«... وعلي ما معو خبر» ليس معرض زينة الأول بالطبع، لكنّه أوّل معارضها «الموقّعة». بعد عقد تقريباً على معرضها الفردي الأول في بيروت «ثلاث نساء درزيات» (1999)، وبعد معارض في عواصم عالميّة عدّة، قررت الخليل أخيراً أن توقّع لوحاتها. في الأساس، لم تكن صاحبة «شو طابخة يا مرا» (2004) بحاجة إلى توقيع لتترك بصمتها. ما إن ترى جندياً بلاستيكياً مطلياً بالوردي، أو باربي محجّبة، أو نجمة بوب تقفز فوق صور مقاتلين، حتّى تعرف أنّ هذا العمل لزينة. فهل التوقيع محاولة لتأكيد بيانها الفني أخيراً؟
التشكيليّة ولدت في نيجيريا وعاشت بينها وبين لندن. وحين وصلت إلى بيروت خلال التسعينيات، رأت ابنة الثامنة عشرة مشهداً يجمع

اللعب على الرموز الدينية والسياسيّة والاجتماعيّة

ملصقات الشهداء والمقاتلين، بصور قادة الطوائف، وإعلانات اللانجري. جعلت كلّ ذلك مادةً تشكيليّة، في محاولة لمساءلة الواقع المركب وتطويعه. تطال أعمالها مروحة واسعة من الفنون البصريّة، بين التجهيز، والرسم، والعروض الأدائيّة... المتخرّجة من «الجامعة الأميركيّة في بيروت»، و«مدرسة الفنون البصريّة» في نيويورك، تغرف بعض عوالمها من أجواء الـ«بوب آرت». لكنّ التوليفة النهائيّة للوحاتها وتجهيزاتها تأتي في قالب الفن المعاصر. هنا، تطلق اسم ليلى خالد على باربي ملتحفة بكوفيّة. وهناك تضع هالة حول رأس زياد الرحباني كأننا أمام أيقونة لقديس ما. في موضع آخر تصنع مجسّماً فسيفسائياً ضخماً لكلمة «الله» من زجاج طابة الديسكو! حمل التجهيز الأخير عنوان «السلام عليكم»، عرض في أوروبا خلال العام الماضي، من دون أن تمتلك صاحبته الشجاعة الكافية لجلبه إلى لبنان.
هكذا، كانت جرأة اللعب على الرموز الدينية والسياسيّة والاجتماعيّة علامة فارقة في تجربتها. اتسمت بعض أعمالها بطابع نسوي، وخصوصاً مشاركتها المتتالية في «ماراتون بيروت»، في عرض أدائي بعنوان «واحد عريس، بليز!» (2004). كانت ترتدي ثوب عرس وردي وتركض، في إحالة ساخرة على مفاهيم الزواج والعنوسة في المجتمع اللبناني.