عادت الدعايات العنصرية تغزو أميركا. هذه المرة، اختار «الاتحاد الوطني الجمهوري» اليميني اللجوء إلى التلفزيونات لبثّ إعلان تحريضي ضدّ بناء مسجد في موقع اعتداءات 11 سبتمبر
صباح أيوب
على وقع «الله أكبر» ثم الأذان، يبدأ إعلان «الاتحاد الوطني الجمهوري»، فتظهر عبارة «جرأة الجهاد»، تليها صور لمجاهدين يتدربون على السلاح. ثمّ يستعيد المُشاهد لحظات تحطيم برجي التجارة العالميين في 11 أيلول (سبتمبر) 2001... هنا، تتوقّف الصلاة، ويقول أحدهم: «في 11 أيلول، هم أعلنوا الحرب علينا... واليوم يريدون بناء مسجد ضخم»، على خلفية صورة لقبة الصخرة في المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
لكن الإعلان لا ينتهي هنا، بل تتصاعد أنغام موسيقى حربية، فيقول المعلّق «حيث ننتحب نحن، هم يهلّلون فرحاً... المسجد هو رمز لانتصارهم ودعوة إلى هجمات جديدة». وفي نهاية الشريط تظهر الرسالة الأساسية وفحواها أن السياسيين لن يحرّكوا ساكناً، «لكن صوتنا نحن الأميركيين سيُسمع... انضمّوا إلى المعركة لقتل «مسجد Ground Zero». وفي ختام الإعلان، تظهر صورة لموقع البرجَين يعلوه صليب من حديد والعنوان الإلكتروني للحملة «المعركة».
إذاً، اختار «الاتحاد الوطني الجمهوري» هذا الإعلان لتحريض الأميركيين ضدّ بناء مسجد في موقع هجمات 11 سبتمبر. والمعروف أن الاتحاد تجمّع يميني متطرف يريد «إنقاذ اليمين الحالي واستعادة الخطّ التقليدي الحقيقي» وإعادة إحياء «الحلم الأميركي» بعدما دمّره «الآخرون».
هكذا بعد حملات محاربة الرئيس باراك أوباما التي اتهمته بـ«تحويل الولايات المتحدة إلى دولة راعية للإرهاب»، ها هو الاتحاد الجمهوري يطلق حملته «الشعبية» الأولى ضد قرار تشييد مسجد قرب موقع البرجين السابقين في نيويورك. وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط النواب والمسؤولين في نيويورك.

يذكّرنا الإعلان بحملات بوش الابن خلال «حربه على الارهاب»

وحتى الساعة، فإن قناتَين فقط رفضتا بثّ هذا الإعلان وهما «سي بي إس» CBS و«إن بي سي» NBC. وأشارت المتحدثة باسم شبكة «أن بي سي» أمس إلى أن الإعلان «لم يرفض بسبب محتواه، بل بسبب اللغة المستخدمة فيه. كلمة «هم» لا تظهر إذا كانت موجهة إلى الإرهابيين أو إلى المنظمة الإسلامية الدينية التي تدعم بناء المسجد». لكن، ماذا عن الشبكات التلفزيونية الأخرى في أميركا؟ وهل ستستطيع شبكة «فوكس» أن تقاوم إغراء عرض الإعلان الذي يعبّر تماماً عن مبادئها ورسالتها السياسية؟ بغضّ النظر عن الجواب، فإن الشريط موجود على موقع «يوتيوب» وقد شاهده لغاية الآن أكثر من 175 ألف شخص حول العالم!
منطق «الأخيار والأشرار» و«قدسية الأرض» والدعوة إلى الحرب واللعب على «الحسّ الوطني الأميركي» التي تحفل بها مضامين الشريط الإعلاني وصوره، تذكّرنا بالحملات البروباغندية للرئيس السابق رونالد ريغان. كما يعيدنا الإعلان، بما يحتويه من تسطيح واستفزاز وتعميم، إلى حملات جورج بوش الابن في «حربه على الإرهاب» وتقسيمه العالم إلى «نحن وهم» والخلط بين الديانة الإسلامية، والإرهاب، والمجاهدين في أفغانستان وقبّة الصخرة...
شريط «اقتلوا مسجد غراوند زيرو» حقق غايته ووصل بفضل الإنترنت إلى عدد كبير من المشاهدين، فهل ستسهم المحطات التلفزيونية في تكريسه مادةً إعلانية تدخل المنازل الأميركية؟ وهل ستسمع أصوات أميركية ودولية تتهمه بالعنصرية وبالدعوة إلى العنف والقتل؟