مدنيون، وفلاحون، ولاجئون، ومغاربة، وأفارقة، وسريان، وأرمن، وأكراد، وأحباش، وأقباط، وروم. يعيشون جميعاً في كيلومتر مربع واحد، هو مساحة القدس العتيقة. بشر يعيشون بالآلاف في هذه المساحة الضيقة بين روائح الرطوبة والفلافل والبخور ورائحة المستوطنين وجنود الاحتلال.
داخل هذه المساحة الضيّقة، يخرج علينا مستعمر قديم له تاريخ طويل في هذه المنطقة. إنّه «المراكز الثقافية» الأجنبية، يتقدمها المركز الثقافي الفرنسي. وهو يطل على المواطن المقدسي بمظهر حضاري خادع. عيون زرقاء ووجوه بيضاء (وأحياناً وجوه سوداء للتمويه)، ومطبوعات مزركشة تعلن تنظيم دورات في اللغة الفرنسية وموسيقى هيب هوب وأنشطة أخرى، بعضها يحاول حشرنا في التطبيع مع المحتلّ الإسرائيلي. يدخلون مدارسنا ويفخرون بتعليمنا لغتهم. وها هم يحاولون تعليم أبناء اللاجئين لغتهم، إلى درجة رحنا نظن أنّ أحد شروط حق العودة لهؤلاء اللاجئين هو تعلّم الفرنسية والعبرية، ولنترك العربيّة لأبي لهب وزوجته حمالة الحطب. فضلاً عن المهرجانات الفنية المقدسية، الوطنية التي لا
نشاطات المركز الثقافي الفرنسي في القدس تفوح منها أحياناً رائحة التطبيع
بعد خروج المستعمر الفرنسي من السنغال مثلاً، دعم هذا الأخير مناهج التعليم، وأصبحت اللغة الرسمية هناك الفرنسية من دون إطلاق رصاصة واحدة. أما القدس، فلم تكن ضمن الدول الفرنكوفونية، فلماذا كل هذا «الاهتمام» الفرنسي بها؟ لماذا كل هذا السباق في السيطرة على مدينة مُسيطر عليها أصلاً؟ أم هو تعاون مبرمج لسلخ كل ما هو فلسطيني عنها، وبعدها يجري تقاسم الغنيمة؟ أم أن «الغنيمة» قُسّمت فعلاً، ونحن آخر من يعلم؟!
* مسرحي من القدس