strong>حسين السكاف على قماشة أعدّت للرسم في مرسم صديقه في لندن، كتب «عائد إلى العراق، وداعاً» وذهب. كأنه وضع الحجر الأساس لمشروعه الشخصي، رغم أنه لا يمتلك مشروعاً شخصياً! كل ما يدور في فلكه يتلمّس الآخر. سريعاً شاع خبر اغتيال كامل شياع عبد الله بيد الغدر والقتلة الجبناء. فهل كان مشروع الموت المبكر هو ما وضع أساساً له على لوحة الفنان يوسف الناصر؟ السؤال راود الفنان، بعدما استفاق من أثر الصدمة.
ترك القماشة وراح يطلب من زوّار مرسمه أن يكتبوا عليها شيئاً عن «الحياة والموت، والوجود والعدم، والغياب وحضور الذاكرة»، بعدما حكى لهم قصة شياع الذي كتب كلمة الوداع الأخير على القماش. هكذا، اكتمل تجهيز «تمارين في الغياب» بعدما امتلأ بكلمات الزائرين، من عرب، وهنود، وبريطانيين وغيرهم. ويمكن المشاهد أن يتلمس جنسياتهم لا من خلال الكلمات فحسب، بل أيضاً من خلال الرسوم والرموز. حتى النوتة الموسيقية تسجل حضورها هنا، إضافة إلى نصوص سومرية وبابلية أضافها الفنان لتقترب من رسالتها. كل هذا كان باللون الأسود الذي كان شرط الكتابة، حتى بانت اللوحة تنضح بمشاعر ما بعد الفاجعة... وهي أيضاً مفعمة بالحب ورؤى تأملية لحياة أفضل، وكأنها «حرز» يحتوي على أعقد الطلاسم في تكوينها، لكنها طلاسم الغياب!
«قد لا يرتقي العمل إلى حجم الفجيعة التي أصابت المثقف العراقي باغتيال كامل شياع، قد لا يرتقي إلى فجيعتي الشخصية بغيابه، لكنه محاولة مني لإيجاد وسيلة لتسجيل ألمي الشخصي»، يقول الفنان يوسف الناصر الذي سيعرض تجهيزه في قاعة «معهد الفنون الجميلة» مع صور فوتوغرافية لكل الذين شاركوا فيه. الصور التي التقطتها عدسة الفنان، تظهر أن أغلب الذين شاركوا في بناء هذا العمل هم من الفنانين والكتاب المثقفين، أي الدائرة التي كان كامل شياع يعيش داخلها، لكنه سبقهم في الغياب كما سبقهم في الكتابة على القماشة حين خطّ أول جملة عليها.
«العمل بدأ بكامل شياع من خلال جملته المختصرة جداً، وانتهى إليه بكلمات من عرفوه أو اكتشفوه لاحقاً بعد رحيله» يقول الناصر الذي كشف لنا عن رفضه وتردده الطويل أمام خيار «التجهيز الفني» في تنفيذ أعماله: «كثيراً ما ترددت في خوض تجربة التجهيز، وهذا العمل هو الأول لي، من حيث النوع وطريقة التنفيذ والعرض، والحقيقة أن صديقي الراحل، هو الذي حدّد طبيعة العمل وفكرته، حين كتب جملته على القماشة، وذهب».