حسين بن حمزةفي باكورتها الروائية «خان زاده» (دار الآداب)، تكتب لينة كريدية سيرة ثلاث نساء في العقد الخامس من أعمارهن. الراوية التي لا يُذكر اسمها تسرد في ليلة واحدة خطوطاً عريضة، وأخرى تفصيلية، من حياتها وحياة صديقتَيها جيهان وروعة. تجلس في مقعدها المفضّل، قبل أن يسبقها كلبها إليه. تضع زجاجة نبيذ يكون عاديّ المذاق في الكأس الأولى، ثم يتحسّن مع النشوة الخفيفة التي تتكفل بها الكؤوس التالية. هذا تفصيل مهم في الرواية التي نادراً ما ستعود إلى هذه الإحاطة المينيمالية بشخصياتها ووقائعها. ستتغلّب تقنية الإخبار وتلخيص الوقائع على حساب التفاصيل الدقيقة والملموسة التي يحبِّذ القارئ أن يراها تتألف أو تحدث لحظة انكبابه على الرواية. بهذه الطريقة، يبقى القارئ على مسافة من جسم الحكاية التي تُستعاد على لسان الراوية. لعلّ ازدحام الرواية بالشخصيات هو السبب في تعزيز نفوذ الإخبار والتلخيص. إنه خيار أسلوبي يتضمّن تضحيات متفاوتة بالتفاصيل. التفاصيل موجودة طبعاً، لكنها تصلنا كخلاصات منتهية ومحكومة بوجهة نظر الراوية. ملاحظة كهذه لا تحجب عنّا حقيقة أنّ البطلات الثلاث

عالم كامل من التقاليد والعادات البيروتية


يتقاسمن «البطولة» مع آخرين. بل إن البطولة تُخطَف منهن أحياناً، من جانب شخصيات تطرأ لاحقاً وتحظى بجاذبية روائية لافتة، كما هي الحال في شخصية أسامة، عمّ الراوية الذي تمرّد على تقاليد عائلته البيروتية، واختفى خمسين سنة، قبل أن يعود ويموت بين أهله. وكذلك العمّة خان زاده، التي سمّيت الرواية باسمها، وهي سترعى أخاها المتمرد وتطمئن إلى أحواله من دون علم العائلة، مصطحبةً الراوية معها أحياناً.
مصائر البطلات الثلاث مخترقٌ بمنعطفات عديدة. الحب الفاشل هو القاسم المشترك بين نساءٍ شهدن تساقط أحلامهن، وانتهيْنَ إلى مضغ أنواع مختلفة من العزلة والألم. روعة تقبل زواجاً تقليديّاً، بينما الراوية وجيهان تتقدمان وحيدتَين في السن. عائلة الراوية تأخذ مساحة أكبر من المساحة الممنوحة لصديقتيها. إجراء سردي يكشف عالماً كاملاً من العادات والطبائع البيروتية التقليدية. بيروت التي تطلُّ عليها الراوية من شرفة بيتها الصيفي في سوق الغرب، هي بطلة غير معلنة للرواية.
لعلّ قراء كثراً طمعوا أن تتوسع لينة كريدية في هذا العالم المتواري والمليء بالأسرار. في رواية أولى، يحدث أن تحضر مكوّنات أكثر مما هو مطلوب لبناء الرواية نفسها، أو يضطر السرد إلى أن يمرّ على بعضها بسرعة. ربما تكون الكاتبة (والناشرة) اللبنانيّة، قد تعمّدت نسج رواية تتجنّب الإطالة والاستطراد. رواية قد تكون للقارئ ملاحظاتٌ بشأنها، لكنها لا تُضجره ولا تُثقل عليه بادعاءات فضفاضة.