حسين بن حمزةمن الوحدة ومشتقاتها تنشأ باكورة سمر عبد الجابر «وفي روايةٍ أخرى» (دار ملامح/ منشورات إكس أو). الوحدة هنا أشبه بقطعة مغناطيس تجتذب إليها معظم القصائد المكتوبة بإيعازٍ من الحياة اليومية لامرأة وحيدة برغبتها أو وحيدة بسوء فهم مع الآخر. السيرة الحاضرة بشذرات مختلفة هي إحدى الترجمات المتعددة للوحدة. حتى القصائد المكتوبة في حقلٍ آخر ترشح بنوعٍ خاصٍّ بها من الوحدة. إنها سيرة مدينية مصحوبة بمكوّنات الحياة المعاصرة ومذاقاتها. المرأة الوحيدة تتقاسم البطولة مع الأشياء المحيطة بها. نحس أحياناً أننا نقرأ قصائد منزلية خافتة تحدث في شقّة صغيرة داخل مبنى موحش، وأنّ المبنى ملاصق لمبانٍ أخرى تضم شققاً مماثلة لا تسمح إلا بالقليل من الحياة. بهذه الطريقة، يمكننا تذوّق مفردات الضجر والعزلة والألم وفوات الأوان التي تنجح الشاعرة الفلسطينية في توريطنا بمناخاتها. كأن تقول: «ألبومات الصور/ مكدّسة على الرف/ أقلّبها/ بعيني/ من بعيد»، أو: «أحياناً/ أتقصّد وضع الأشياء في غير مكانها المعتاد/ لأوهم نفسي/ أن أحداً غيري في المنزل».
سيرة مدينية مصحوبة بمذاقات الحياة المعاصرة
ما نقرأه يدل على رغبة عبد الجابر في الالتحاق بمزاج شعري يراهن على اكتشاف الشعر في اليوميات الذاتية التي (قد) لا تهم أحداً، وفي التفاصيل النافلة والعابرة والمتناهية في الصغر. في قصيدة «فجأةً»، تتفاقم الوحدة إلى حدٍّ يسمح للأشياء بالتغلب على حضور المرأة: «فجأةً/ المروحة/ توقفت عن التلفت/ محدقةً/ تراقب تعابير وجهي/ صوت النيون/ يعبر من المطبخ إلى الغرفة/ كزيزٍ/ في ليلةٍ هادئة». وفي قصيدة «اليوم» تصبح أخبار الآخرين مادة لمضغِ الوحدة بطريقة مختلفة: «لم أكن في الباص ذي الزجاج المحطم/ الذي اصطدم بالحائط وكاد يقع في الوادي/ أحياناً/ كل شيء على ما يُرام».
في كل الأحوال، لا تذهب قصائد سمر عبد الجابر، قصيرة أو طويلة، أبعد مما هو في متناولها. الحب أيضاً يشتغل في خدمة الوحدة. إنّه سبب إضافي لجعل الشعر ترجمةً كيفية للسيرة الشخصية، سواءٌ كانت حقيقية أو متخيلة. في قصيدة «لو أنكَ»، الحب نفسه ليس أكثر من رغبة متخيَّلة: «لو أنك/ حين أغفو/ تأتي/ لتخلع نظارتي عن وجهي برفق/ وتضع جانباً/ كتاباً وقع من يدي/ وتبسط/ فوق جسدي/ شرشفاً خفيفاً». الآخر حاضر بشكل طيفي ورجراج. القصيدة تؤرخ بقاياه: «كلما غادرتْ/ تتركُ شيئاً/ كبقايا سكّر/ على صينية قهوة». في الأثناء، تنتاب المرأة الوحيدة رغبات غير مستجابة مثل: «لنضع جانباً/ ساعتك/ وهاتفي/ والاحتمالات كلها/ ولتُبقِ يدك على كتفي/ خمس دقائق فقط».