«انتفاضة الداون تاون» التي بلغت أوجها نهارَي السبت والأحد الماضيين، أفرزت مشهداً إعلامياً لبنانياً واصطفافات جديدة على صعيد التغطية والأداء بين القنوات، تبعاً لسياسة كل منها. ورغم هذا الانقسام وإعادة التموضع الذي قد يبدو تحصيلاً حاصلاً، إلا أنه برزت في الساعات الأخيرة مناوشات إعلامية وصلت الى أوجها على وسائل التواصل الاجتماعي وانسحبت على الشاشات.
مجموعة هاشتاغات تنتقد الأداء الإعلامي لكل من محطتَي «الجديد» وlbci اللتين برزتا في هذا الحدث، انتقلت من منصات السوشال ميديا الى شاشة nbn التي تبنّت هاشتاغ #lbci_إعلام_متآمر_ومأجور». هاشتاغ يحمل انتقاداً واضحاً للمحطة التي قالت إنّ مثيري الشغب وما سمّي «المندسين» ينضوون تحت لواء «حركة أمل» وآتون من منطقة «خندق الغميق» الواقعة على تخوم الوسط التجاري. هذا التأكيد تبعته تدوينة للإعلامية في المحطة ديما صادق، وصفها بعضهم بالساذجة والسطحية في «كشف» هوية المتظاهرين بأنهم يقطنون في هذه المنطقة لتعود وتعتذر عن مضمون ما كتبت بعد سلسلة انتقادات لاذعة بحقها، بما أن البوست يحمل الكثير من الطبقية والعنصرية. طبعاً هذا التعاطي أثار ثائرة nbn التي قررت المواجهة درءاً لأي أحكام مشابهة قد تشعل فتنة في البلاد. في اتصال مع «الأخبار»، وصف رئيس مجلس إدارتها قاسم سويد ما يحصل من تغطيات إعلامية على الأرض بـ»الفوضى العشوائية»، وعزا هذا الأمر الى الاجتهادات التي تطلقها مراسلات القنوات في البث المباشر.
ولم ينف طبيعة التعاطي الذي دخل في طيّاته التسييس والمذهبية، فقالها بشكل صريح: «مش كل واحد شيعي صار «حركة أمل» ويقطن في خندق الغميق». ولدى السؤال عن خطوة الهجوم على إعلام زميل ومدى درّه الفائدة على المشهد الإعلامي اللبناني، رد سويد بأنّ محطته عمدت الى هذا الفعل «لتصويب» الأداء، داعياً رؤساء القنوات الأخرى ومديري أخبارها إلى الانتباه لما يبث على الهواء من «اجتهادات خاطئة» لمراسليها كي «لا تقع الفتنة» و»حرب أهلية ثانية».
ويبدو أن الأمر لن يقف هنا في مسألة الرد والرد المضاد بين القنوات مع إصرار nbn على المضيّ في هذه الحملة درءاً «للتشويه من دون امتلاك دليل» لأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى تشتعل، وينقسم الناشطون ويتراشقون الاتهامات التي أفرزتها هذه الحملات. هاشتاغ #إعلام_طلعت_ريحته، الذي برز أخيراً، شارك فيه الآلاف معبرين عن سخطهم من تعاطي «المؤسسة اللبنانية للإرسال» مع تظاهرة «رياض الصلح». ساحة افتراضية عكست الأزمة الحقيقية للبنانيين المنقسمين على أنفسهم طائفياً ومناطقياً وحزبياً.
كما لم تسلم قناة «الجديد» من هذه الحملات ونالت نصيبها عبر وسم «مطمر_تحسين_خياط» وكما يبدو هو استكمال للهجوم السابق على القناة على خلفية انتقادها رئيس مجلس النواب نبيه بري. واليوم يأتي تعاطي المحطة مع حدث التظاهرة واتهامها بشكل صريح بأنّ من أثاروا عمليات الشغب والفوضى يتبعون للحركة.
وسط هذا المشهد المأزوم على الشاشات وفي العالم الافتراضي، يبقى السؤال حاضراً عن مستوى المخاطبة الذي وصلت إليه القنوات بين بعضها البعض، وقد انسحب بالتأكيد على مشاهدي هذه القنوات وولّد شحناً إضافياً سمّته روائح المذهبية والمناطقية... فأيّ فوضى هذه؟