لم تتغيّر أحوال الصحافة في المغرب هذا العام. بل على العكس، تدهورت إلى حدّ دفع منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى إعلان أنّ «المغرب لديه مجتمع مدني وصحافة مستقلّة، لكنّ السلطات بمساعدة القضاء تستخدم تشريعات قمعيّة لمعاقبة معارضين سلميين وسجنهم». وأضاف بيان المنظمة أن «الدولة المغربية تمنع الصحف وتُغلقها، وتعتقل الصحافيين وتغرّمهم، إلا أنّها نادراً ما تحاسب الشرطة على انتهاك حقوق الإنسان». هكذا أصدرت وزارة الاتصال قراراً بـ«تعليق نشاط قناة «الجزيرة» القطرية في المغرب، ووقف العمل بالاعتمادات الممنوحة لطاقمها».

وقد بررت الوزارة المعنية ذلك بالقول إنها رصدت «حالات عدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحافي الجاد والمسؤول...».
وكان هذا القرار متوقعاً بسبب انزعاج الحكومة من المتفرقات الإخبارية المتعلقة بالمغرب، وخصوصاً في نشرة «الحصاد المغاربي».
وفي الإطار نفسه، اندلعت مواجهات إعلامية بين المغرب وإسبانيا، بعد أحداث مدينة العيون في الصحراء الغربية. إذ عرضت قناة «أنتينا 3» الإسبانية صوراً فوتوغرافية قالت إنها من أحداث المدينة الصحراوية، ليتّضح لاحقاً أنها صور قديمة لجريمة قتل جرت في الدار
البيضاء!
كذلك، قرّر وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري رفع دعوى قضائية على الصحافي الإسباني في صحيفة «إل باييس» الشهيرة، توماس باربولو «الذي حرّف حديث المسؤول المغربي» كما أعلن وزير الاتصال خالد الناصري.
لكن لم تكن الصحافة الغربية، ولا العربية وحدها في مواجهة مع السلطات.
بل إن إقفال عدد من المطبوعات البارزة مثّل صدمة للشارع المغربي. إذ يبدو أن المقربين من الملك محمد السادس اختاروا التركيز في 2010 على استهداف الصحافة المستقلة دون غيرها، بسبب الإزعاج الذي تسبّبه لهم.
والبداية كانت مع مجلة «لو جورنال» (تأسست سنة 1997) التي أقفلت مكاتبها مطلع العام المنصرم. أما السبب، فهو أن سياستها وخطّها التحريري الديموقراطي لم يعجب النظام، فبدأت مضايقتها.
هكذا منعت عنها الإعلانات وحُجزت حساباتها بحجة أنها لم تدفع مستحقاتها لـ«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». وكانت هذه الخطوة الضربة القاضية التي أقفلت المطبوعة، رغم شعبيتها الكبيرة.
وذكّرت هذه الحادثة بما حصل مع صحيفة «أخبار اليوم» التي أُغلقت مكاتبها عام 2009، بعد نشرها كاريكاتوراً «مسيئاً للعائلة المالكة»، و«معادياً للسامية».
وبعد القضاء على هاتين التجربتين المستقلتين، لم يبق سوى أسبوعية «نيشان» لتدافع عن حق الصحافة «المختلفة» بالوجود.
هكذا بقيت أسبوعية «نيشان» وحدها في الميدان. هذه المجلة التي رسمت لنفسها خطاً تحريرياً، اختارت منذ صدورها أن تسلك طريقاً منفتحاً، فناقشت مواضيع عدة كانت لسنوات طويلة «محرّمة» في الإعلام المغربي. لكن فترة السماح التي منحتها السلطات لهذه المجلة انتهت هذا العام، بعدما امتنعت جهات مقربة من القصر الملكي عن نشر إعلانات في المجلة.
واستمرّت محاصرة السلطة للمجلة مع إتلاف أعداد كبيرة منها في 2009، ما سبّب لها خسائر فادحة... ورغم كل هذه المحاولات لإقفال «نيشان»، بقي صحافيوها صامدين، ومصرّين على تغيير المشهد الإعلامي المغربي من خلال فتح ملفات سياسية، ودينية، وجنسية، والتطرق إلى قضايا الفساد والمحاصصة...
كل ذلك أدى إلى تضييق الخناق عليها، لينتهي الكابوس بإعلان الأسبوعية الأكثر مبيعاً في المغرب إفلاسها.