لا تخفي زينة كنج، مترجمة محلّفة ومحاضرة في عدد من الجامعات في لبنان، استياءها من نظرة الآخرين إلى اختصاص الترجمة. «على الرغم من خبرتي الطويلة في هذا المجال، وإدراكي لمدى حاجة سوق العمل إلى المترجمين، إلّا أنه إلى حدّ الآن لا ترتقي الترجمة بنظر المحيطين إلى مستوى الاختصاص المستقل، بل بالكاد يُعترف بها كاختصاص». وبفضل متابعتها لشؤون طلابها بعد تخرجهم، تؤكّد أن قلّة من المتخرجين تمارس عملها كمترجم «حاف». عدد كبير منهم يتوجه إلى مجالات أخرى.
هذه الحال تنعكس على أسيل الحاج، المتخرّجة حديثاً من الجامعة اللبنانية، إذ صادفت أثناء بحثها عن وظيفة، بعض أرباب العمل الذين طلبوا حضورها للمقابلة على أساس أنها مترجمة، لكنهم أوكلوا إليها مهمات مختلفة تماماً، «استغرب أحدهم عدم إلمامي ببعض البرامج الإدارية على الكومبيوتر، وتذمّر من بطئي في الترجمة، بحجة أن النص بنظره كم سطر وسهل!». أسيل التي لم تعثر على وظيفة ثابتة بعد، تعمل مترجمة حرّة (فريلانس) في عدد من المجلات والصحف المحلية ومؤسسات الإنتاج الفني، لكنّ المهمات الاضافية لا تزال تلازمها، إذ يجب عليها أحياناً توثيق النصوص وتلخيصها قبل أن تترجمها.
أما دانيال م.، فقد طلب منها ربّ عملها الاهتمام بالتصميم الغرافيكي وإدارة المواقع الإلكترونية؛ «لأن الترجمة لا ينبغي أن تستهلك أكثر من ساعتين من دوام عملها!». تروي دانيال قائلة إنّ «البعض يرون أن المترجم يجب ألا يستعين بالقاموس، وعليه أن يحفظ معاني الكلمات عن ظهر قلب، وأن المترجم، أيّاً كان، باستطاعته ترجمة الخطابات والبيانات مباشرة، وآخرون يستهزئون عندما يقول المترجم إنه يتقن اللغة العربية بحجة أنها تحصيل حاصل». إلى هذه الأفكار الخاطئة، واجهت دانيال مشكلة مع بعض المؤسسات الإخبارية الإلكترونية التي تعاونت معها كمترجمة حرة في السابق، «اشترطوا عليّ، إمّا الأجر أو الاسم، بمعنى أنهم رفضوا ذكر اسمي كمترجمة لنصوصهم، ورغم أهمية الاسم إلا أنني فضلت حينها المال بطبيعة الحال».
للجنوب حصّة من شحّ الترجمة أيضاً. تعبّر فاطمة مرتضى، التي تسكن في بلدة أنصار، عن سخطها من واقع أن سوق الترجمة بالجنوب «واقف»، لدرجة أن معظم المحيطين بها يرون أن ترجمة مادة ما هي بمثابة خدمة مجانية، بحجة أنه «كتيب صغير أو صفحتين مش محرزين». استقبلت فاطمة هذه الطلبات بالرفض، ولم تلجأ إلى التعليم على خطى زميلاتها. لكن ماذا عن مكاتب الترجمة؟ «مكاتب الترجمة، إن وجدت، لا تفي المترجم حقّه، والراتب الشهري لا يعادل كمية المواد المترجمة، لا من قريب ولا من بعيد. بإمكاني الحصول على مئتي دولار إن ترجمت 10 صفحات لأي مؤسسة، بينما المكتب سيمنحني المبلغ نفسه مقابل ترجمة كتاب من 100 صفحة». وبعدما حالفها الحظ في العمل مترجمة لإحدى المنظمات غير الحكومية، لاحقها سوء التقدير، «شغلك هيّن كلو عالـ google translate».
السؤال المتكرّر دائماً وأبداً، الذي يطرح على المترجمين ويثير استفزازهم، هو الذي يبادرهم به من يتعرّفون إلى تخصصهم: «مترجم؟ كم لغة بتحكي؟»؛ إذ إن المترجم الحاضر في أذهان الناس هو السوبرمان الذي يتكلم لغات العالم بطلاقة. والأنكى من ذلك النظرة الدونية والخائبة التي يرمق بها المترجم عند إخبارهم بأنه لا يتعلم اللغات والمفاهيم فقط، بل يتعلم تقنية الترجمة التي تتطلب قدرات تحليلية وملكات فكرية لا تتوافر عند الجميع، ولا يجيد سوى الإنكليزية والفرنسية والعربية، ضاربين بأربع سنوات من الجهد والدراسة عرض الحائط.
الصعوبات والأخطاء الشائعة المذكورة أعلاه بشأن المترجمين تطاولهم، أكانوا تحريريين أم فوريّين. وعند سؤاله عن سبب معاناة المترجم التحريري والفوري من هذه المصاعب، يجيب شادي يونس، المختص بالترجمة الفورية والتعريب بأن هذا الأمر مرده إلى أمور عدة، أولها النظرة الظالمة من المجتمع والأهل إلى العلوم الإنسانية عموماً، ما يدفع الكثير من الطلاب إلى تفضيل الاختصاصات العلمية عليها. وبرأيه، في هذا الأمر جهل مطلق؛ لأن العلوم الإنسانية هي التي تحفظ العالم وتعطيه بعداً غير شيئي، في عصر «تشييء» الإنسان، بالإضافة إلى إضفاء الطابع الأنثوي على اختصاصات العلوم الإنسانية عموماً والترجمة على وجه الخصوص، وفي هذا الأمر تخلف فكري وتزمت. فالترجمة اختصاص للجنسين على قدم المساواة! وفي ما يتعلق بذمّ حاملي شهادة الترجمة والاستخفاف بهم، يروي شادي حادثة صادفته منذ فترة فيقول:، «لقد كنت أناقش مسألة متعلقة بالعمل وبسلم الرتب والرواتب، فسألني أحد الزملاء في المؤسسة التي أنتمي إليها عن رتبتي. وعندما أجبته، فوجئ وقال لي: أنت في رتبة شخص آخر يحمل شهادة في الهندسة... وكأن المهندس أعلى شأناً مني! هذا مع العلم أنني درست خمس سنوات لنيل شهادة الدراسات العليا، وهو عدد السنوات نفسه الذي يقضيه المهندس لنيل الشهادة، إن لم يكن أقل». ويختم شادي إجابته بإلقاء اللوم على المدارس التي لا تهتم بمادة الترجمة، نظراً إلى عدم إدراجها في الامتحانات الرسمية، «هذا أمر مرفوض وغير مبرر، فما الفرق بين الترجمة والرياضيات أو الفيزياء أو الجغرافيا أو التربية المدنية؟»؛ فإعادة صياغة الحروف لا تقل جهداً وأهمية عن تصميم مبنى هندسي بالغ التعقيد.
مسؤوليّة «ع الهوا»
يؤدي عامل الوقت دوراً مهماً في مجال الترجمة الفورية. بالنسبة إلى علي رزق، مدير أخبار ومترجم في قناة «برس تي في»، احتراف اللغة ليس كافياً في هذه الحال. يوضح أن عمله يحتم عليه متابعة الأحداث والإحاطة بثقافة البلدان على اختلافها والتعابير المتداولة. فالترجمة المباشرة لخطابات القذافي مثلاً، كانت من المهمات الصعبة التي أوكلت إليه. «ينبغي توخي الحذر، وخصوصاً عند نقل خطابات الزعماء السياسيين، أكان على التلفاز أو خلال الاجتماعات الخاصة؛ لأن استخدام أي مصطلح لغوي في غير محلّه، بإمكانه قلب الأمور، أو البلدان رأساً على عقب».
7 تعليق
التعليقات
-
الترجمة عمل إبداعي وحرفي راقٍ وجليلالترجمة بكافة تخصصاتها عمل إبداعي مهني حرفي راقٍ و موهبة تصقلها سنوات وتراكمات من الخبرة وفهم عميق لثقافة وقواعد اللغة الأم و معرفة واسعة باللغة المَُترجَمْ إليها كتابةً وقراءةً ونطقاً وفهماً واسعاً لثقافتهاوهذه أمور لا تتأتى كاملةً إلاّ لمن يسعفهم الحظ أو تسمح لهم ظروفهم بالاحتكاك أو العيش والعمل في بلد يمارسون فيه متعة النقل من لغتهم إلى لغة ذلك الشعب أو البلد. قد يكون عمل المترجم أحياناً وعر المسالك بسبب تداخل الثقافات واختلاف التعابير بين اللغة الأم و اللغة المترجم إليها فضلا عن اختلاف البنى النحوية والصرفية. من واجب المترجم التقيد بالأصل إلى أقصى درجة والابتعاد عنه بقدر ما تستلزمه اللغة المترجم إليها مع التأكيد على أهمية الوضوح والدقة والتكيّف الكامل مع مقتضيات العربية. كلفت مرّة بمراجعة ترجمة فيلم سينمائي فضحكت عندما ترجم زميل عبارة "If I were in your shoes " بـ" لو كنتُ في حذائك!"، فيما المقصود "لو كنت مكانك!" المقام هنا لا يتسع للكثير من الأمثلة الطريفة. إنه عالم الإبداع والكتابة ونشكر الله على قرآنه الكريم "الذي صان العربية من العبث ووشحها ببيان لا ُيعلَى عليه" حسب أحد كبار المترجمين العرب.
-
المترجم، شأنه شأن كلّ متخصّصالمترجم، شأنه شأن كلّ متخصّص في العلوم اللغوية (الألسنية) -وربّما شأن كلّ متخصّص في العلوم الإنسانية- يعاني من الغبن وسوء الفهم في كلّ بلدان العالم، وليس فقط في لبنان! كاتب هذه السطور أستاذ محاضر في علم اللغة العام وفي علم الترجمة في جامعات ألمانيا -أي نعم، "علم" الترجمة، مع أنّ العناصر "الفنّية" في عملية الترجمة لاتقلّ أهمّية، لا بل تزيد!- ، ومترجمٌ محلّف في المحاكم الألمانية لخمس لغات،،، في مجال التعليم، ليس عليك أن تثبت شيئاً: تلقي محاضرتك وتتابع طلاّبك قليلاً ،،، وتنتظر معاشك آخر الشهر ( عذراً على التبسيط :) ) ولكنّك عندما تمارس الترجمة (سواء التحريرية أم الفوريّة)، فإنّك تنحت في الصخر! وأثناء عمليّة النحت هذه، ينظر إليك القاضي والمحامون والمتّهمون على حدّ سواء وكأنّك "كرسيّ" في قاعة المحكمة، لاأكثر ولاأقلّ! وبالرغم من كلّ المحاضرات "المجانية" الّتي سمعها القضاة والعاملون في المحاكم منّي حول عمل المترجم والصعوبات التي ترافقه، فجلّ مااستطعت تحقيقه هو أنّهم "إضطرّوا" إلى احترام شخصي وعملي كمترجم،،، ولكنّهم بقوا يستهترون بالمترجمين ككلّ وبعملهم! إنّه بكلّ بساطة الجهل في طبيعة هذا العمل / العلم المبدع الخلاّق، فما بالكم تتحدّثون عن لبنان! نتحسّر على المأمون، وعلى حنين بن أسحق وفريقه من عباقرة المترجمين، وعلى بيت الحكمة في بغداد ،،،
-
نكته عن الترجمة والمترجمبداية من اهم الصفات الواجب توفرها في المترجم هي "الخيانة"وطبعا المقصود بالخيانة هو النص المعمول على ترجمته او الكلام المنطوق لجهة الترجمة الفورية.لتفهمو بالضبط اقرؤا هذه الحكاية التي انا شخصيا بطلها (أي المترجم) وانامهنتي مترجم.كنت مرة مترجما مرافقا لشخص روسي في زيارة لاسرة سوريةوقبل انتهاء تحضير المائدةتزامن ظهور قط منزلي مع اطلالة سيدة المنزل التي هي حرم السيد صاحب الدعوة فما كان من الشخص الروس الا ان نهض من مكانه ومد يده يفرقع بأصابعه باتجاه القطة وهو يتلفظ كلمة يتودد بها الروس للقطط وهي كس كس ولا يخفاكم اننا كعرب سوريين (لا اعرف عن بقية بلدان العرب كيف)نتودد للقطط بكلمة بس بس . اعتبر صاحب الدعوة الامر اهانة لانه ظن ان الروسي يقصد زوجته ويتحرش بها بذلك التودد الروسي.والله يا جماعةالخير بطلوع الروح لفهم الرجل المسالة والترجمة مع انني مقتنع 100% ان الرجل صنفني خائنا للترجمة ومتواطيء مع الاجنبي عليه.أما لمن يستهين بمهنة المترجم نقول ان سبب القاء اميركا للقنبلتين الذريتين على ناغازاكي وهيروشيماوقتل اكثر من 300000 شخص وبكل بساطة هو خطأ قي ترجمة كلمة واحدة يابانية الى الانكليزية فقط وهذ الكلام ليس نكته انما هو حقيقة ولا يتسع المجال الان لذكرها وذلك ايضا لسببين,الاول هو ان المسموح من الكلمات للتعليق شارف على ال250 وثانيا هو ان الساعة شارفت على الثامنة وهذا موعد عندي لن اخالفه احتراما للوقت.
-
لكل قاعدة شواذلقد تخصّصت في مجال الترجمة وتخرّجت من الجامعة اللبنانية منذ ثلاث سنوات وكنتُ قبل تخرّجي أقوم بترجمة الكتب لمؤسسة ثقافية إماراتية مقابل مبالغ (يعتبرها المترجمون في لبنان) خيالية. ولم أختبر عمل الترجمة في لبنان إلا مرغمةً بسبب الفترة التدريبية التي تفرضها الجامعة اللبنانية على طلابها، وقد كان ذلك الشهر كافياً لأكوّن فكرةً عن نظرة المجتمع السطحية لمهنة الترجمة، ولأعلم أنّ مهنة "المترجم الحاف" إن وُجِدَت فهي مهنة أشغال شاقة من دون مقابل يُذكَر. وما كدتُ أنال شهادتي حتى اتجهتُ إلى بلدٍ يحتلّ فيها المترجم مكانةً أعلى من أي طبيب أو مهندس أو محامٍ، حيث استقبلتني شركة ترجمة عريقة، صاحبها مترجم يقدّر عمل الترجمة، ويعلم جيداً أنّ المترجم ليس آلةً. وقد توسّعت الشركة وأسست فرعاً لها في لبنان، وأنا أفتخر بأنني أعمل مديرةً ومترجمةً في هذه الشركة، لأنني أمام المقالة التي قرأتها أدرك جيداً أنني محظوظة لأنني أتقاضى أجراً عادلاً، ولأنّ الدعم المعنوي الذي ألقاه يفوق الدعم المادي قيمةً، ولأنّ أجواء التفاهم والتعاون الموجودة هي البيئة المناسبة لعمل أي مترجم. أما بالنسبة لنظرة المجتمع إلى مهنة الترجمة، فنحن المترجمون وحدنا قادرون على تغييرها. والحمدلله ما قدّمتُ يوماً ولن أقدّم أي تنازل من أي نوع في ما يختصّ بمهنتي. ولو التزم كل مترجم بهذا المبدأ لارتقينا بمهنتنا إلى مستوياتٍ أعلى في ظل غياب نقابة محترمة ومنظّمة تحمي مهنة الترجمة.
-
هناك مشكلة إضافية وهيهناك مشكلة إضافية وهي الطائفية فإذا أدرت العمل كمترجم في صحيفة أو مؤسسة ما، أول سؤال يطرح عليك قبل اختبار قدراتك في الترجمة هو "إنت مع مين؟" فإذا كنت من الطائفة والإتجاه السياسي المناسبين، عندها ينتقلون الى الأمور "التفصيلية" كالخبرة والمستوى والقدرات.
-
فعلا هذا ما نعانيه من سوء فهمفعلا هذا ما نعانيه من سوء فهم وتقييم لإختصاصنا. حتى الدولة تأبى أن تعترف بنقابة تضمن حقوق المترجمين, هذا بالإضافة إلى منح رتبة "مترجم محلف" لأي كان دون الحاجة إلى شهادة ترجمة. فترى صاحب مطعم أو دكان (مع فائق الإحترام)يختم للناس أوراقا. إن كانت الحكومة تعجز عن تقدير المترجمين فما ذنب الجاهلين؟